فيلسوف سورية الطيب تيزيني : ماذا تعلمت ابنته منه ؟!
خاص باب الشرق
من أجمل النصوص التي يمكن أن نقرأها في أدب الفقد السوري، هو النص الذي نشرته قبل يومين منار طيب تيزيني في ذكرى مرور عامٍ على رحيل فيلسوف سورية الدكتور الطيب تيزيني ، وفي هذا النص مشاعر جياشة عن علاقة البنت بأبيها ، وأهم ملامح هذه العلاقة تلك الاشارات التي تدل على تربيته الثقافية الثقافية لها ، فتقول:
” أواظب على قراءة شعر ريلكه، وغوته وبريشت الذي يستحضرني قوله دائما:” بدأ الثلجُ يسَّاقَطُ، بدأ الثَّلجُ يسَّاقَطُ، من سيبقى في هذا المكان؟ كما فيما مضى، سيبقى فيه الحصا والفقراءُ”.
أعود إلى كتابات طه حسين، مهدي عامل وحسين مروة، وكم أتمنى لو امتلك عزيمتك وتوقك للمعرفة اللذين دفعاك لتعلم الألمانية بسرعة فائقة لتقرأ هيغل وكانط وغوته بلغتهم الأم، وأن تناقش أساتذتك الألمان بعد أشهر قليلة من دراستك عمل غوته (فاوست)، وأن تغرق في الفلسفة الأوربية وأنت مازلت طالباً شاباً، لتستعيد بعدها ابن خلدون والفارابي وابن سينا وابن رشد…
وماركس، الذي كان الأحب إلى قلبك، هل تذكر تلك الحادثة الطريفة عندما كنا في الباص متجهين من بيروت إلى طرابلس، يومها بعد أن وصلتَ إلى مقعدكَ عدت إلى مقدمة الباص وألقيت نظرة خاطفة ورجعت، وحين استسفرتُ منك عن الأمر، قلت لي: أمر عجيب، شخص يجلس في المقعد الأمامي للباص كأنّه ماركس، بلحيته وشعره الأبيض، يمسك كتاباً أظنّهُ مكتوب باللغة الألمانية.
أتذكر جيداً كم أسعدك ذلك يومها وكأنّك قابلت أحد أهم ملهميك.”
وتفصح منار تيزيني عن هواجس حزنها في ذكرى أبيها ، وتستعيد لحظات وداعه على سرير المستشفى، لكنها تعود دائما إلى المكان الذي عاشت معه فيه :
” أرتّب مكتبتك وأمسح الغبار عنها رغم مرارة الأمر، رائحة الكتب التي ما عدت أميز بينها وبين رائحتك، والملاحظات التي كتبتها على كل كتاب قرأتَه”
والنقطة البارزة في إشاراتها هي التي وردت في متن رثائها له ، وتقول :
” أتذكر جيداً عندما أخبرتني أن هذه الملاحظات تعني أنه يجب دائماً إعادة قراءة كل ما كُتب، وأنك كنت تفكر في إعادة النظر بالكثير من أعمالك لأن الواقع تغير وخصوصاً مع بداية الربيع العربي. لم تيأس يوماً بأن بلادنا ستنجو وأن أملك بسوريا حرة ديموقراطية الذي حلمت به وعملت من أجله سنين طويلة لن يخيب.
هل تتذكر حين طلبتَ مني في المشفى أن أجلس أمامك وأُنصت لك وأسجل الملاحظات من بعدك، لقد كنتَ كمن يحاضر في مدرج الجامعة أو في ندوة ما، حدثتني عن الفلسفة والفكر والتراث والثورة والإنسان ثم قلت لي: أعتذر فإنني لن أستطيع أن أكمل هذه المحاضرة المشلولة. رغم ألمك كنت تعلم أن انكساراً عليه أن يأتي لننهض من جديد!
وقد توفي الدكتور الطيب تيزيني قبل نحو عام في دمشق، وهو يعتبر من أهم المفكرين السوريين الذي دأب على رؤية فكرية للمجتمع العربي الإسلامي من خلال سلسلته النظرية الجبارة ((مشروع رؤية)) التي بلغت مقدمتها أكثر من ألف صفحة!
باب الشرق