فيلم نابليون و منذ إطلاقه قبل أسابيع يثير الجدل من قبل النقاد والجمهور خاصة وأن منتجه ومخرجه البريطاني السير ريدلي سكوت صاحب الأعمال المهمة والناجحة، وأن نجومه من فئة الحاصلين على الأوسكار كـ (خواكين فينيكس)، فما حقيقة الجدل المثار حول الفيلم؟؟ وماذا قدم من جديد حول شخصية نابليون التي غيرت تاريخ أوروبا والعالم واستراتيجيات الحرب؟؟
كان واضحاً أن السيناريو الذي كتبه ديفيد سكاربا اختار تقديم شخصية نابليون من خلال تقاطع محوري الحكم والحب، وجعل هوسه بالسلطة والتملك، و أيضا من خلال هوسه بحب جوزفين. وبالفعل فإن تناول شخصية نابليون من منظار الحب أو الهوس بحب امرأة لإضاءة إنجازته الحربية وتسلقه للسلطة هو تناول غني ويحمل طاقة كبيرة لشحن عمل درامي سينمائي ممتع ومضيئ لمعاني هذه الشخصية. وقد حرص الفيلم كسيناريو وإخراج على الوفاء لقوة الحب لدى نابليون في كشف زوايا نفسه وخاصة هوسه بالحكم والسلطه وهزيمة الآخرين .. وقد نجح الفيلم إلى حد كبير في تقديم هذا المسار.
منذ البداية، ومع نجاح الثورة الفرنسية في إسقاط الملكية، ومع تسلل الفساد إلى الحكام الجدد الذين نصبتهم الثورة، قامت الجماهير بالثورة من جديد فلجأ الحكام الجدد إلى ضابط المدفعية الكورسيكي الطامع بالسلطة ليقوم بقمع المظاهرات بإغرائه بحصة في السلطة. فيقوم نابليون بقمع الجماهير المحتجة ويفتح المدفعية على المتظاهرين المحتجين. ونتيجة هذه الوحشية القمعية بات نابليون أحد أضلاع الحكم في باريس، وتعرف من خلال منصبه إلى جوزفين النبيلة الأرستقراطية التي أعدم زوجها وكادت تقطع رأسها على المقصلة، وأغرم بها رغم أنها نبهته منذ اللقاء الأول أنه (إذا أحس بانوثتها فعلاً سيقضي عمر. وهو يجري وراءها وسيصرف أيامه وهو يسعى لها) وهذا ما حصل بالفعل. وظل نابليون مهووساً بجوزفين وأنوثتها حتى بعد طلاقها. واستمر بعشقه وهوسه بها بعدما ماتت وصارت تحت التراب. وقبل موته في المنفى ظل صوتها يرن في أذنه (ساخبرك بالسر الذي سيبقى الحكم هذه المرة بيدك إلى الأبد، ولكن لن أقول لك هذا السر الا عندما تأتي إلي ) وهكذا مات نابليون ساعياً إلى جوزفين ليكون معها ولتخبره السر الذي يساعده في الحفاظ على سلطة الحكم إلى الأبد. وهذا هو المعنى، معنى الهوس بجوزفين.. و ليس معنى هوسه بالسلطة فقط بل بالاحتفاظ بهما معا و إلى الأبد.
يبدو ان إثارة الجدل حول فيلم نابليون سببه غنى هذه الشخصية التي قلبت تاريخ أوروبا وأجتاحتها. وكاد يسيطر على روسيا بعدما غزاها. هذا الغنى في شخصية ضابط مدفعية كورسيكي صعد لينصب نفسه كإمبراطور. وهو الحاكم الذي تسلق سلم الثورة الفرنسية ليعود كملك على الناس أشرس و أقوى من الملوك الذين أسقطتهم الثورة. هذا الغنى في الشخصية جعل كل متابع يتوقع من الفيلم أن يقدم له ما يريد. وخاب ظن كل من لم يجد ما توقعه. اما من تابع الفيلم ليرى ما يقدمه وما يقترحه فقد أستمتع بشحنة دراما هوس حب نابليون للسلطة، و دراما عشقه و هوسه بجوزفين. من هنا يمكننا القول أن الجدل حول الفيلم هو من خارج الفيلم وليس من داخله. وهذا ما يجعله لا يخلو من الافتراء على عمل فني ممتع وكاشف. علما أن الفيلم يتضمن نقاط ضعف من المهم نقاشها..
رغم الجمالية الواضحة في الفيلم، ورغم تمييز خواكين فينيكس في أداء شخصية نابليون، ورغم نجومية فانيسا كيربي التي لعبت دور جوزفين، ورغم أن المخرج ريدلي سكوت مشهود له بالتميز، إلا أن هناك بعض نقاط الخلل غير الهين من الناحية الدرامية. مثلاً عندما تلقى نابليون خبر خيانة جوزفين له مع ضابط صغير ترك الحرب والمعارك وتوجه إليها لمحاسبتها. وكان من المفترض أن يشكل مشهد مواجهته لها بالخيانة معركة درامية هائلة وكاشفة لمشاعر كل منهما. وكان على الإخراج أن يشعر المشاهد أن نابليون انتقل من معركة حربية إلى معركة حول الحب والإخلاص والخيانة. ولكن المشهد الذي قدمه المخرج أجهض الكثير من الإمكانيات الدرامية للموقف وحرم جوزفين أداء مشاعر الأنثى المتهمة، و بدهاء المناوره الأنثوية في الفاع وفي انقلاب الى التفوق، وجرد نابليون من شحنة المغدور و من طاقة قوة المحاسبة و إعاقته عن عقابها بسبب هوسه بها. فجاء المشهد فاترا. أقول فاترا وليس باردا. لان السيناريو جعل جوزفين تقلب معركة المحاسبة على خيانتها لتفرض سيطرتها من جديد وتجعل نابليون في النهاية يردد وراءها (أنا عبد لك، وسأتبع وأنفذ كل ما تقولين). المشهد حمل امكانيات درامية هائلة ضيع الإخراج شحناتها وحرم بطلي العمل من إبراز قدراتهما التمثيلية وحرمنا من متابعة معركة الحب والهوس والعشق في صراعها مع الخيانة، وفوت علينا دهشة متابعة خضوع الإمبراطور مكتسح العالم لأنثى مهوس بها رغم خيانتها له.
فيلم نابليون تجربة سينمائية متميزة. مثيره للنقاش حول الحكم والسلطه خاصة عندما يتملك الإمبراطور هوس بامراة تتحكم به حتى الموت.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة