في إيران يلتقي النقيضان

بث موقع CNN ووكالة رويترز بواشنطن خبراً تناقلته الوكالات الغربية والعربية يوم الاثنين بتاريخ 10 فبراير 2014، يثير الدهشة والاستغراب، وان كان علينا نحن ابناء المنطقة (الشرق الأوسط) ان نتوقع غير المتوقع.

والخبر هو حول القرارات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية في فرض العقوبات على ايران بسبب وجود شبكة القاعدة في طهران العاصمة، وانها – أي ايران – على علم بما تقوم به هذه الشبكة من نقل الأموال لمتبرعين كويتيين تحديدا من طهران الى فروع تنظيم القاعدة ومنها تنظيم (جبهة النصرة) في سورية، فالغرابة ليس في فرض العقوبات على ايران، وليس ايضاً في ان يكون المتبرع من الكويت، أو غيرها من دول الخليج، وانما الغريب هو في أمرين:

– أولهما: هو كيف يكون للقاعدة تنظيم داخل إيران، وكيف تسمح به منذ سنوات دون وجل من أميركا؟ وأيضاً في ان هذا التنظيم الاصولي المتطرف، الذي هو على طرفي نقيض من معتقدات السلطة في ايران، فكيف لهذا النقيض لايران ان تنقل له المال والسلاح والرجال بعلم السلطة وبمباركتها، والى (جبهة النصرة) تحديداً، وهي الجبهة النشطة في قتالها ضد نظام الأسد بسورية بضراوة شديدة؟

والأغرب هو ان ايران ذاتها هي الدولة الأولى في مساندتها لنظام الأسد عسكرياً ومالياً وسياسياً، بل وعلى جميع المستويات، حقا انه العجب، وان الكيل بمكيالين شديدي التناقض.

ولم تكن هذه المواقف لايران مع تنظيم القاعدة هي الأولى، فعلينا ان نعود بذاكرتنا قليلاً الى الوراء، وتحديدا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، وفرار اسامة بن لادن من ملاحقات اميركا له، واعلان حربها على الارهاب منذ ذلك الحدث، فلم يجد اسامة بن لادن ملاذا آمناً يحميه الا ايران، التي اوته مع بعض زوجات وابنائه لسنوات، وقد بقي بعض ابنائه فيها حتى بعد ان غادرها الى باكستان، حتى انتهت حياته فيها على ايدي القوات العسكرية الأميركية.

– وثانيهما: والذي نعجز ان نجد له تفسيراً، وهو موقف اميركا الأخير وقراراتها في فرض العقوبات على ايران، وكأنها لم تعلم بوجود شبكة تنظيم القاعدة في ايران الا اليوم، وهو الذي سمح له بالوجود في ايران منذ سنوات، وهو التنظيم الذي كان ولايزال يزود المقاتلين في افغانستان وباكستان والعراق بالسلاح والمال والمقاتلين، وأميركا ذاتها تصرح بقراراته العقابية بهذا الشأن وبمعلومات اخرى شديدة التفصيل، منها ما جاء على لسان وزارة الخزانة فيها (ان العقوبات شملت شركات ايرانية ذات صلة بتسهيل نقل السلاح والتجهيزات لمصلحة نظام الأسد بسورية) وهو امر لم تخفه ايران يوما في مساندتها لنظام الأسد بسورية، وعلى جميع المستويات.

– وكشف قرار العقوبات الأميركية ايضاً عن أسماء وشخصيات تعمل في ايران في تنظيم (القاعدة) منذ سنوات وهم (أولمزون احمد) و(فيتش صادقييف) واسمه الحركي (جعفر الأوزبكي) وقد وصف القرار الأميركي هذا الأخير بانه شخصية اساسية في تنظيم القاعدة، وهو يقيم في مشهد الايرانية منذ سنوات، ومهمته الرئيسة تهريب المقاتلين الى سورية من الحدود الايرانية، اضافة الى ما كان يقوم به من تهريب المقاتلين الى باكستان وافغانستان من قبل، أي ان هذا الرجل وآخرين غيره ناشطون في مثل هذه الأعمال الارهابية، فنشاطهم ليس وليد اليوم، فما الأسباب التي دفعت أميركا لتعلن عن قراراتها العقابية اليوم؟؟

وأضاف القرار اسماً آخر يدعى (ياسين السوري) وهو الاسم الحركي لـ(عز الدين خليل) من مواليد القامشلي بسورية ووصفه القرار (انه ذو خبرات قتالية عالية، وهو يقوم ايضاً بنقل مقاتلي القاعدة من باكستان الى سورية) وقد رصدت الخارجية الأميركية مبلغ (10 ملايين دولار) لمن يدلي بمعلومات تقود الى اعتقاله، ويؤكد القرار الأميركي انه هو الذي يقود شبكة (القاعدة) في ايران.

فنحن امام هذه المواقف الأميركية الأخيرة، نعجز عن الفهم والتفسير، فاميركا ذاتها التي سعت جاهدة منذ ايام بان تمد جسور الود مع ايران، تأتي اليوم وبين ليلة وضحاها لتصدر قراراتها العقابية ضد ايران، وليس هذا فحسب، بل انها تعلن عن تفاصيل ومعلومات وكأنها لم تعلم بها الا في التو واللحظة، فما أهدافها؟ وما نواياها التي تسعى لرسمها لمنطقتنا (منطقة الشرق الأوسط)؟ انها خطط ونوايا لا يعلم بها الا الراسخون في العلم.

صحيفة النهار الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى