في العراق.. أبناء الزعماء زعماء! (عبد الزهرة الركابي)

 

 
عبد الزهرة الركابي

صار من المؤكد أن العراق مريض بالفوضى المزمنة، وهي فوضى متعددة الأضلاع، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وما يترتب على إفرازات هذه الفوضى من فساد مستشر، لا يمكن معالجته من دون معالجة الأساس والمتمثل في هذه الفوضى.
أهل الحكم يتخبطون في آلياتهم السياسية، بل وحتى في تصريحاتهم، كما حصل من خلال اعتراف رئيس الوزراء نوري المالكي لإحدى المحطات التلفزيونية الفضائية العراقية مؤخراً، بأن نجله أحمد يقوم بأداء أدوار أمنية، مع أن وظيفته لا تتعدى وظيفة نائب مدير مكتب رئيس الوزراء. والأنكى من كل ذلك أن هذه الأدوار، يجري تنفيذها في المنطقة الخضراء ببغداد، أي في عقر منطقة الحكومة. وقد أثار هذا الاعتراف ضجة في الأوساط الإعلامية والسياسية، لا سيما وأنه كشف من خلال هذا الاعتراف أو التصريح أن الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، امتنعت ورفضت تنفيذ أوامر إلقاء القبض على أحد التجار القاطنين أيضاً في المنطقة الخضراء، خشية من نفوذه المتغلغل في أوساط حكومية نافذة.
وتأتي إجابة رئيس الوزراء على سؤال يتعلق بابنه أحمد، بعدما سأله المحاور عن الضجة التي أُثيرت بشأن تصرفات وممارسات و«ثروات وممتلكات» ابنه أحمد، التي تجاوزت بكثير حدود وظيفته المعروفة!
قال المالكي، إن هذه الضجة مفتعلة وأثارها المستفيدون من أحد المقاولين الذي يقيم في المنطقة الخضراء، وهذا المقاول ارتكب العديد من المخالفات، ومنها الاستيلاء على ستة عقارات داخل المنطقة الخضراء، وفتح شركةِ حمايات غير مرخصة وامتلك أكثرَ من مئةِ قطعةِ سلاح مجهزة بالكواتم ومئة سيارة مهرّبة.
وهؤلاء المستفيدون يتمثلون في شخصيات نافذة في الدولة. رداً على قيام ابني (أحمد) بتنفيذ مذكرة التوقيف بحق هذا المقاول الذي عليه ديون تبلغ ستة مليارات دينار، وأن قيام ابني أحمد بهذه المهمة وكذلك مهمة أخرى من هذا القبيل، يعود الى رفض وامتناع القوات المسلحة والجهات المعنية، تنفيذ الأوامر المتعلقة بإلقاء القبض على هذا الشخص وإحضاره أمام القضاء، وأن عدم تنفيذ الأوامر من قبل القوات المسلحة، مرده الخشية من الجهات المرتبطة بهذا المقاول.
كيف يتسنى لرئيس الوزراء السكوت على هذا العصيان المتكرر، من قبل القوات المسلحة والجهات المعنية بهذا الأمر، مع أنه يتعلق بهيبة وسمعة الدولة، قبل أن يكون متعلقاً بهيبة وسمعة المنصب السياسي والعسكري، خصوصاً أن مثل هذا العصيان، يتطلب حزماً وعقوبة بحق هؤلاء المخالفين، لا سيما أن القانون العسكري يضطلع جيداً بردع ومعاقبة ومحاسبة كل مخالف، ناهيك عن أن المنصب السياسي، يتيح للرئيس معاقبة هؤلاء فورياً.
لا أدري بأي صفة قانونية أو دستورية أو عسكرية أو أمنية، يقوم المالك بتنفيذ مهمة إلقاء القبض على هذا الشخص وإحضاره أمام القانون؟!
فمثل هذه المهمات كان يضطلع بها في تأريخنا السياسي القريب والمعاصر، أبناء الزعماء الديكتاتوريين في أكثر من بلد عربي، كما كان يفعل ابنا صدام (عدي وقصي)، وكاتب السطور هنا لا يتهم ابن المالكي ولا حتى يجري مقاربة من هذا القبيل بينه وبين أحد آخر، وإنما أتحدث أشارة الى السياق التأريخي المعاصر الذي شهد أدواراً ومهمات من هذا النوع وهذا الأداء، لكن ما أريد ذكره، هو أن بلداً مثل العراق والذي يتخذ من الديموقراطية طريقاً ـ من باب الافتراض -، يقوم رئيس حكومته بالإعلان عن هذا الأمر جهراً وعلانية، أي أنه بهذا التصريح والكشف، يناقض النهج الديموقراطي الذي من المفترض أن الدولة العراقية تتبناه وتؤمن به.
ان الشخص المتهم والذي كان معنياً باعتراف المالكي، أمضى عطلة عيد الأضحى في قصره بلندن، كما أنه ظهر في أعقاب تصريح المالكي من على شاشة تلفزيونية عراقية، مفنداً ما ذكره من إتهام وجهه رئيس الوزراء إليه، فقال: «لم تكن هناك كواتم، بل أسلحة لشركتي التي لديها عقود لحماية مطاري النجف والموصل، والمنطقة الخضراء ومبنى البرلمان.
ووفقاً للتفنيد الذي ذكره رجل الأعمال المذكور، فإن هذه الحادثة وقعت منذ ثلاث سنوات، وبالتالي فإن الجمهور العراقي راح يتساءل باستغراب، لماذا أحياها المالكي في هذا الوقت، ولماذا ربطها بأداء نجله «البطولي» في هذا الجانب، وإذا كان ابنه يقوم بمثل هذه «البطولات»، فحري به أن يمسك إرهابياً واحدا» من حملة الأحزمة الناسفة، أو حتى يعترض سيارة مفخخة واحدة من السيارات التي راحت تدهم بغداد كل يوم، بعدما عجز مليون ونصف المليون من عناصر الجيش والشرطة والأمن، عن إيقاف سيارة مفخخة واحدة.


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى