شرفات

في بيتنا مسرح !

عماد ندّاف

انتبهتُ إلى أن طفلتي تعودان من المدرسة وليس هناك من شيء أقدمه لهما سوى الطعام ، وبعد الطعام ثمة فراغ ينبغي أن يشغل بشيء مفيد.

كان ذلك قبل نحو عشرين عاما ، وكنت أتولى رعايتهما في غياب زوجتي في الجامعة. وفجأة خطرت لي فكرة ، فأنا غير قادر على اللعب معهما، ولا أريد أن تبقى كل منهما في حالة عزلة ، لذلك أغلقت ستائر الصالون ، ودعوتهما للجلوس على كرسيين قبالة الستائر، وأخبرتهما أن ثمة مسرحية جميلة سأقدمها في البيت !

جلستا بانتباه وشوق، وراقبت التحفز الذي ظهر على وجه كل منهما، ثم أطفأت الضوء ودخلت خلف الستارة، وأبقيت سبوت واحد في طرف الستائر.

وقفت مربكا في كواليسي المصطنعة، فماذا سأقدم لأحلى مشاهدتين في العالم بالنسبة لي؟!

اتضحت الفكرة !

ارتفعت صوتي من خلف الستائر :

يحكون أن الأطفال يخافون من الليل ؟

هل فعلاً الليل مخيف ، والنهار حيث الشمس والضوء لايخيف ؟!

اسمعوا هذه الحكاية :

كان هناك راع طيب يعيش مع أغنامه الوديعة يتنقل في البراري لإطعام تلك الأغنام  وخرافها الصغيرة . وعندما حل الليل ، تجمعت الأغنام ، والتف حولها الخراف، وقالت واحدة منهن ويبدو أنها الجدة :

الذئب قد يأتي بين لحظة وأخرى ، وأنتم تعرفون الذئب ، هو وحش غدار، ويمكن أن يستفرد بأي خروف صغير عندما يحس أن الراعي الذي معنا قد نام ..

سألها الخروف : وماذا نفعل أيتها الجدة ؟

ردت الجدة : لا تخف . عندما يراك الذئب خائفا فإنك تصبح هدفا لأسنانه الحادة ، ويمكن أن يستغفل الراعي ويخطفك إلى مكان بعيد ليأكلك !

خرجت من خلف الستار .

سألت ابنتي : هل أنتما خائفتان ؟

لا . قالت الأولى . وردت الثانية : هذه حكاية ، وأنت معنا !

حنيتُ ظهري، وشرعت أمثل دور الراعي :

أنا الراعي . سمعت كلمة الجدة . الراعي لاينام ويترك الأغنام لأسنان الذئب .

وارتفع صوتي ضاحكا : ها ها ها ..

أين أنت أيها الذئب ؟

أنا لن أنام حتى ألقي القبض عليك !

ثم مشيتُ بهدوء، وجلست على أريكة مجاورة ، وتصنعت النوم : خ.خ.خ.خ..

قالت ابنتي الصغرى :

كيف تنام وتترك الخراف ؟

وازداد شخيري : خ.خ.خ.خ.خ.خ..

وقالت ابنتي الكبرى : أنت لست نائما !

ارتفع شخيري أكثر :

خ.خ.خ.خ.خ.خ.خ.خ.

ضحكت ابنتي الكبرى ..

قلبت إلى الجنب الآخر، وأطلقت صوت الذئب :

عوعوعوعوعوعو ..

نهضتُ ، وجلست خلف الأريكة ، وقلت لابنتي : لا تخافا .

وضحكت : لقد ظنني الذئب نائما ..

وخاطبتهما بهمس : لاتخبراه أنني مختبئ هنا ، فهو يظنني في سابع نوم أشاهد أحلاماً كأحلام العصافير ..

وساد الصمت ..

رحت أخربش بأظافري على حافة الكنبة الخشبية ، فصاحت ابنتي : جاء الذئب . جاء الذئب .

نهضت ، وركضت إلى الكواليس ، وتصنعت معركة وهمية : هيا أيها الذئب . لن أدعك تخيف الخراف بعد اليوم .

والذئب يعوي : عو عو عو ..

طاخ طاخ طاخ ..

وخرجت من الكواليس وصحت بصوت عالٍ:

ينبغي على الراعي أن لاينام !

فصفقت ابنتاي بفرح !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى