في تصوير «دامسكو»: يوم مع أيمن زيدان
يواصل المخرج سامي الجنادي تصوير مسلسل «دامسكو» (سيناريو عثمان جحى، عن قصّة لسليمان عبد العزيز، وإنتاج «المؤسسة العامّة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي») في دمشق. تدور أحداث العمل في حارة دمشقية قديمة، لكن أبطاله معاصرين جداً. من خلال هذه الحارة، «نحاول بحث أسباب تغيّر بنية العلاقات الاجتماعية بين الناس، تحت تأثير عوامل عدّة، منها الاقتصاد، وانعكاسات ذلك على مفاهيم وقيم كثيرة من خلال قصة بطل العمل «مختار» (أيمن زيدان) الذي يعمل في الموزاييك»، وفق ما يقول المخرج لـ«الأخبار».
ويتابع أنّ «البحث يشمل الأسباب الكامنة وراء ذهاب هذه المهنة باتجاه النسيان، ونرصد أصحاب المهنة، وعلاقتهم بمحيطهم، في محاولة لكشف مسببّات ما وصلنا إليه، بالتوازي مع قصص كثيرة تتفرّع عن القصة الرئيسية. فالعمل لا يقتصر على مناقشة تلك القضية، فهناك كثير من المواضيع المتداخلة».
«الأخبار» زارت كواليس العمل حينما كان الممثل السوري أيمن زيدان يصّور مشاهده الأولى في ورشةٍ عتيقة على مقربةٍ من كنيسة «حنانيا» التاريخية في حي «باب توما» الدمشقي، حيث تنتشر ورشات موزاييك عدّة، يكافح أصحابها من أجل البقاء، وسط ظروف اقتصادية ضاغطة تفرضها الحرب.
أخذنا استراحة قصيرة في أحد المقاهي القريبة، ريثما نتمكن من أخذ تصريح من زيدان، وكانت المفاجأة أنّ هذا المقهى كان سابقاً ورشة موزاييك يملكها جوزيف سارة (توفي عام 2002)، وهو أحد شيوخ كار هذه المهنة، وورثها عنها ابن أخيه «أبو جوزف» الذي حولّها إلى مقهى صغير في 2012، بعدما تعذّرت عليه مواصلة الطريق، لأنّ مهنته تعتمد، بشكلٍ أساس على السيّاح الذي «لم يعودوا يأتون إلى الشام».
الورشة التي يصوّر فيها أيمن زيدان دوره تعود ملكيتها إلى «طوني، وجهاد، وإيلي» الذين ورثوا مهنة الموزاييك بدورهم عن أبيهم «أبو أنطوان حموي». وأخبرنا «أبو جوزف» بأنّ صديقه «إيلي» ما زال يعاند للحفاظ على مهنته «التي لا يعرف سواها». وربّما يشبه إلى حدٍ كبير الشخصية التي يؤديها زيدان في «دامسكو». النجم السوي يقول لنا إنّ «قيم «مختار» في الحياة تشبه ما يطرأ على هذه المهنة فعلاً. نحن نتحدّث هنا عن تبدّلات اجتماعية شديدة طاولت مفهوم القيم الأخلاقية؛ هو رجل ما زال لديه ولاء لقيمه، وأفكاره التي تكاد تتاخم حدود المثالية أحياناً، كما أنّه يتعرّض لانكسارات تحطّم أحلامه. ورغم انتمائه لوطنه، ومجتمعه، وبيئته، باتت الفسحة المتبقية لهذا النوع من الرجال ضيّقة في الحياة المعاصرة».
يضيف زيدان: «الأمكنة التي تخص الناس الشرفاء، وتضيق بهم الآن، مسألة توجعني، وتوجع كل جيلنا، الذي كان لديه تصّور عن الحياة لا يشبه ما آلت إليه إطلاقاً اليوم. و«مختار» واحد من هؤلاء الناس، إذ يحاول التمسك بقيمه، ونقل تجربته لمن حوله، لكنه يفشل لأنّ التحديّات كبيرة. إصرار أوصله في النهاية إلى وضع لا يستحقه».
ويرى أيمن زيدان أنّ المسلسل «يلامس الأزمة السوريّة الراهنة، إذ تنتهي أحداثه مع بدايتها، وكأنّ العمل يقول إنّ مقدمات من الخراب ساهمت في أن نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم».
ثمّة بطل آخر في المسلسل هو «هاشم» الذي يؤدي دوره الممثل محمد حداقي. شخصية تناقض بتركيبتها شخصيّة «مختار». الأوّل ضابط في الأمن الجنائي، يلاحق شبكات الدعارة في أحد خطوط العمل الأساسية التي يحاول من خلالها صنّاعه الإضاءة على الفساد المستشري في مدينة «غارقة في الوحل والظلام»، بحسب الكاتب عثمان جحى. حجى يلفت إلى أنّ «مواجهة هذا الضابط للفساد، يولّد لديه الشك بكل شيء، حتى الحارة التي نشأ فيها، ومجتمعه ومحيطه. هكذا، يصاب «هاشم» بحالة من «الشيزوفرينا»، يمكن إسقاطها على ما يواجهه كثير من أبناء الطبقة الوسطى في دمشق اليوم». ويشير حجى إلى انّه «يمكن اعتبار أبناء الحارة في «دامسكو» نموذجاً لهم. فأصحاب المهن التراثية كالموزاييك، يمثلون صغار كسبة، أحد مكوّنات هذه الطبقة التي تحافظ عادة على القيم والتقاليد والموروث الشعبي، ونحاول عبر العمل رصد تداعيات ومسببات انهيارها».
أراد عثمان جحى عنونة المسلسل بـ«ريح غربي»، للإشارة إلى أنّ «ما نمرّ به قد يكون بسبب رياح غربية تعصف بنا»، لكنّه تراجع عن هذا الخيار، وقرّر إفراد المساحة للحديث عن ذلك في «عمل آخر» مع شريكه سليمان عبد العزيز. وارتأى صنّاع المسلسل الحالي التمسك بعنوان «دامسكو» لما يحمله من «رمزية لضياع المدينة، وطبقتها الوسطى، إضافة إلى مهنة تراثية». هنا، أعرب الكاتب السوري عن أمله في أن يكون هذا العمل «صيحة لإنقاذ تلك المهنة، بعد إنقاذ البلد، ولا نعرف إن كنّا قد تأخرنا، أم مازال هناك أمل».
يشارك في المسلسل أيضاً منى واصف، ومرح جبر، وفادي صبيح، وقاسم ملحو، ورندة مرعشلي، فضلاً عن صفاء رقماني، ومضر جبر، وكرم الشعراني، وطارق عبده، وغيرهم.
صحيفة الأخبار اللبنانية