في دمشق… «نبتدي منين الحكاية»
في منزل ب دمشق كبير، بطابع عمراني فرنسيّ قديم، ولوحات فسيفساء تزين جدرانه، يثبّت سيف الدين سبيعي الكاميرا على مشاهد من الحياة. في منطقة العفيف خلف السفارة الفرنسية، وقبل نحو عشرة أيّام، انطلق تصوير مسلسل «نبتدي منين الحكاية» الذي كتبه فادي قوشقجي، وتنتجه «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني». يستمرّ التصوير شهرين، تنتقل خلالها الكاميرا بين عدَّة مواقع تصوير داخل العاصمة، في العفيف والمهاجرين والمزة ومشروع دمر وباب شرقي.
في موقع التصوير الذي زارته «السفير» أمس الأول، يوحي المكان بلقطات كلاسيكيَّة وعتيقة الطراز، في عمل اجتماعي معاصر. يستقطب نصّ قوشقجي الحبّ والعلاقات الإنسانيَّة كموضوعين أساسيين، بعيداً عن السياسة وإسقاطاتها، والأزمة وتداعياتها. يعيد المخرج المشهد أكثر من مرّة، في ردّ فعل على حوار ينقصه زخم انفعالي أكبر. والغاية إيقاع معتدل مع بعض الزركشة والحركة الخفيفة، بطريقة تصبّ في صالح الفكرة بالدرجة الأولى.
تسير الأحداث بمنطق بسيط، من دون إلقاء مواعظ. يجسّد غسان مسعود شخصية بشير الذي يكتشف مع تتالي الأحداث إصابته بالسرطان. وفي الحكاية نسيج درامي يعتمد أسلوب الـ «فلاش باك» على مدى خمسة عشر عاماً (بين عامي 2000 و2015) من عمر علاقة الحب التي تربطه بليال مديرة متجر لبيع التحف، وتؤدي دورها سلافة معمار. تتعرّض العلاقة للانفصال أكثر من مرّة، إثر خلافات غير جوهريّة. يعودان إلى بعضهما البعض، بالتزامن مع اكتشاف المرض. تقف بجانبه ويقرران الزواج.
ترغب معمار بأدائها هذه الشخصيَّة استعادة شغف المهنة «أسوأ ما يصيب الفنان هو فقدان المتعة وإحساسه بأنه يعمل كموظّف»، تقول في حديث لـ «السفير». وتضيف: «تجذبني دائماً النصوص التي تتناول الطبقة الوسطى، و تطرح مشاكل اجتماعيّة مع تقديم قيم فكرية حقيقية وهذا ما تحمله نصوص فادي قوشقجي من خلال اشتغاله على تفاصيل الشخصيات بدقة. مثلاً هناك حديث عن تحرر المرأة، وشخصية تجسد الجانب الذكوري التقليدي في العائلة؛ وفي الوقت نفسه يمنح النصّ مساحة من الدفاع والمرونة الفكرية والاجتماعية». تؤكد نجمة «زمن العار» بأن نصوص كتّاب مثل نجيب نصير وريم حنا وآخرين تستميلها دائماً، لأنّهم «قادرون على ترك بصمة في ذاكرة الفنان المهنية». ترى معمار بأنّ الدراما السوريّة بحاجة إلى «نفضة» كبيرة. «ضمن الظروف الصعبة التي نعيشها، يجب القول بأنّ هناك محاولات جادة وحقيقية للعمل، لكن يجب التنبّه إلى أنّنا نفقد خصوصيتنا، ويجب الإسراع في تدراك الأمر».
إلى جانب مسعود ومعمار، يشارك في العمل مجموعة من أبرز نجوم الدراما السورية، عبر قصص حب أخرى، منهم جرجس جبارة، وسامر عمران، ووفاء موصللي، وأنس طيارة، وهيا مرعشلي، وجفرا يونس، ومحسن غازي، ولمى ابراهيم، ومؤيد الخراط، وفاتح سليمان، وعلاء عساف، وإيمان خضور، وغيرهم.
يقف جرجس جبارة للمرة الأولى أمام كاميرا سيف الدين سبيعي، بدور رباح شقيق ليال، الأخ الأكبر في العائلة. يؤدّي شخصيّة رئيسيّة تمتدّ مشاهدها على ثلاثين حلقة، طيبة لكنها حازمة عند الطلب، ومحبوبة من قبل الجميع. يقول جبارة: «رباح إنسان واقعي غير متعنّت برأيه ومتقبّل للآخر، وهو محطّ استشارة الجميع لأن كلمته مسموعة. يحمل الدور دعابة إنسانية بسيطة تشبه دعابة الحياة». يعتبر جبارة أنّ مشاركته في أيّ عمل من أعمال المؤسسة العامة للإنتاج بمثابة تكريم له. «يبقى القطاع العام هو السند»، على حدّ تعبيره.
إطلاق عمل الكاميرات في دمشق، يوحي بأنّ ثمّة من تأقلم مع الصعوبات الإنتاجيّة التي تعرّض لها الإنتاج الدرامي السوريّ، في السنوات الأولى من عمر الأزمة. يقول مدير إنتاج العمل أشرف غيبور: «أوجدنا كجهات إنتاجيّة طرقاً وحلولاً لتجاوز الصعوبات الناتجة عن سفر بعض الفنانين أو محدودية أماكن التصوير، لكن من دون التنازل عن شروط يمكن أن تؤثر على سوية العمل». يؤكّد غيبور بأن لا شراكة مع أيّ شركة إنتاج خاصة بما يخصّ «نبتدي منين الحكاية»، ويضيف: «إن حصل العمل على تسويق جيد بعد الانتهاء من التصوير سيتمّ عرضه قبل رمضان، وإلا فسيكون حاضراً في السباق الرمضاني 2016».