في مديح الطغاة السابقين ولكن

كانت شعوب المنظومة الاشتراكية السابقة في شرق أوروبا قد سبقتنا في التحرر من الانظمة الشمولية والتخلص من الطغاة الذين كانت تلك الانظمة قد أنتجتهم بدعم من الاتحاد السوفييتي السابق.

حينها انتقلت تلك الشعوب إلى حقبة جديدة من تاريخها بعد أن انتهت من الحقبة الشيوعية التي امتدت عقودا. وما بين الحقبتين حدث نوع من الفوضى المحدودة، غير أنها الفوضى التي قادت إلى ولادة النظم السياسية الجديدة، وهي نظم ديمقراطية تؤمن بتداول السلطة سلميا وحق الشعب المطلق في اختيار مَن يمثله ويرعى شؤونه.

يومها عبرت النخب السياسية هناك عن درجة عالية من الشعور بالمسؤولية التاريخية مترجمة نضوج وعيها السياسي وخبرتها النضالية من خلال خطوات واقعية وقفت حائلا دون سقوط تلك البلدان في متاهة النظر إلى الماضي، باعتباره مرجعية وحيدة.

ولهذا فقد كانت مراجعة الماضي لا تتم تحت ضغط الرغبة في الانتقام. بالنسبة للشعب كما بالنسبة لهيئات الحكم. لقد اكتفوا بتفكيك أجهزة الانظمة الشمولية ولم يمسوا الدولة بضرر يمكن أن يعيقها ويجعلها تفقد شيئا من قوتها.

كان التفكير في المستقبل حاجزا دون العودة إلى الوراء.

ولم يكن مفاجئا ان يكون الشيوعيون وهم الذين فقدوا السلطة جزءا من الحراك السياسي التي شهدته تلك الدول التي صارت تحث الخطى في اتجاه اقتصاد السوق وهو ما أهلها للإنضمام سريعا وبخطوات واثقة إلى الاتحاد الاوروبي.

وهو ما يعني أن شعوب اوروبا الشرقية استطاعت عن طريق نضالها السلمي والتزامها الاخلاقي واستيعابها لدورها في صنع التاريخ أن تحيي بلدانها عن طريق الاندماج بالعالم الحر وعدم الانجرار وراء حكايات الماضي.

أما كان ممكنا أن تتكرر تجربة الانعتاق من الماضي الاليم في بلدان الربيع العربي وهي التي نجحت شعوبها بطريقة أو بأخرى في التحرر من الانظمة الشمولية والتخلص من الطغاة المصابين بلوثة التوريث؟

ما حدث في العالم العربي هو في حقيقته شيء أشبه بالفضيحة.

لقد كان غياب الطغاة في لحظة حاسمة من لحظاته مدعاة للرغبة في استعادتهم. كان ذلك الغياب بمثابة كشف وتعرية لحقيقة الخواء التي تعاني منه الحياة في العالم العربي. فما لم تكن الشعوب في انتظاره ولم تكن تتوقعه أن لا تكون هناك نخب سياسية قادرة على انشاء انظمة بديلة لتلك الانظمة التي سقطت.

لم تكن المعارضات العربية إلا لغوا فائضا.

فحين حانت لحظة الحقيقة خفت صوتها وشلت حركتها وتُرك الشعب فريسة للإسلامويين الذين هم رواد التفكير والعمل الماضويين.

لقد عمت الفوضى ارجاء العالم العربي ما أن سقط جدار الخوف.

لم يكن هناك شيء سوى الفوضى. فصار الكثيرون يحنوون إلى زمن الاستبداد حيث كان الشعور بالآمن والاستقرار بديلا عن الحرية التي أتضح لهم أنها تقود إلى أن يحكم قطاع الطرق تحت مسميات ميليشياوية مختلفة الشارع ومن ثم كل نواحي الحياة.

حين سقط جدار برلين كانت هناك حياة زاخرة بالأمل في انتظار معذبي الشرق الاوروبي، اما حين سقط جدار الخوف العربي فقد استسلمت شعوب بأكملها لليأس الذي صارت الجماعات الاسلاموية تقطف ثماره.

هناك مَن يراهن على الزمن. غير أن ما حدث في تونس وهو لا يزال وليدا لن يكون حدوثه متوقعا في ليبيا والعراق واليمن وسوريا. ناهيك عن مصر التي استطاعت أن تنقذ نفسها من خلال العودة إلى العسكر، وهي عودة اضطرارية أملتها الظروف التاريخية.

أيُعقل أن نكون من دون خلق الله شعوبا تهوى الماضي إلى درجة الاسترقاق؟

شيء من هذا القبيل يمكن رؤيته مجسدا في العراق الذي يمشي بخطى حثيثة إلى الهاوية الرثة بالرغم من ثرواته الهائلة. وهي ثروات صارت تُستعمل في تدمير ما تبقى من وجوده.

أكان الطغاة ضروريين من أجل الحفاظ على الاوطان على الخارطة وعلى الشعوب في لحظة أمل كانت ممكنة؟

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى