إصرار ندى يسري على عدم عنونة روايتها بعنوانٍ معينٍ يجعل القارئ مُنجذبًا لتقلي العمل، وقراءته كاملًا، ومحاولة إيجاد السبب الذي جعل المؤلف يلجأ إلى ذلك.
بوقوف القارئ للوهلة الأولى مع العنوان “ليست سيرة” للكاتبة د. ندى يسري – الصادرة عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 2024 – يجعله يتساءل هل هي ليست سيرة كنوع آخر من الأنواع الأدبية الأخرى كالقصة والمقال… إلخ.
ومن الأسئلة التي يثيرها العنوان أيضًا هل هي “ليست سيرة” بمعنى ليست حكاية بمضمون لغتنا الدارجة “لا تكثر من الكلام فالأمر لا يحتمل ذلك فهي ليست سيرة”، فالقيمة الإنجازية للقولة كما يقول علماء التداوليات (جون سيرل، وأوستن، وغرايس، وغيرهم) تفتح باب التأويل على مصراعيه وتشد القارئ تجاه الرواية لقراءتها، وشفاء غليله مما يدور بخاطره من الأفكار والتساؤلات.
ونجد أيضًا تحت عتبة العنوان كلمة “رواية” وهي تجعلنا نتساءل لماذا اختارت ندى يسري هذا العنوان؟ ولماذا لم تُعنون روايتها بعنوانٍ يجعل القارئ يستنتج ما يدور بداخل الرواية من خلال الوقوف عليه، وجهة نظري أنها أرادت أن تشد القارئ لقراءة الرواية كاملة وليس العنوان فقط.
فإصرار المؤلفة على عدم عنونة روايتها بعنوانٍ معينٍ يجعل القارئ مُنجذبًا لتقلي العمل، وقراءته كاملًا، ومحاولة إيجاد السبب الذي جعل المؤلف يلجأ إلى ذلك، هل كان عاملًا أدبيًّا فقط؟ أم هناك عوامل أخرى جعلت المبدع يضع عمله بهذا الشكل، ولا يستطيع القاريء كشفها إلا بقراءة العمل كاملًا وهو ما تبغيه ندى يسري.
فالعنوان كما يذكر بعض الكُتَّاب “هو المفتاح الإجرائي الذي يمدنا بمجموعة من المعاني التي تُساعدنا في فك رموز النص، وتسهيل مأمورية الدخول في أغواره وتشعباته الوعرة”[1]، ولكن الأمر يختلف تمامًا مع “ليست سيرة” فهو يثير جدلًا واسعًا ويفتح باب كبيرًا من التفكير والتأويل تجاه هذا العمل الإبداعي، فهو لا يلهمنا دلالة ما بداخل هذا العمل من أفكار وتخيلات، بل يجعلنا ننطلق نحو الرواية لمطالعتها، ومحاولة معرفة السبب وراء هذه التسمية، وهو ما وُفِّقَتْ فيه المؤلفةُ – من وجهة نظري- إلى حدٍّ كبيرٍ.
ويُعدُّ عنصر الشخصية في العمل الروائي من أبرز العناصر وأكثرها أهمية في البناء الروائي، إذ هي الصورة الفنية التي تحمل دلالات ومضامين واقعية ترتبط بفكرة المؤلف في العمل، فهي كائن لغوي خيالي يبدعه الروائي لغاية جمالية وفنية محددة، فهي” عنصر مهم في اللعبة السردية، لا يمكن الاستغناء عنه ولا تجاوز دوره في الخطاب الروائي العام، ترتبط بباقي العناصر ارتباطًا عضويًّا وتكامليًّا بحيث تصنع الحدث الروائي وتوجهه عبر الزمان والمكان وتتأثر بهما، إذ لا يمكن لأي رواية أن تقوم بغير الشخصية حتى ولو كان دورها مختصر في رقم أو بدون اسم”[2].
وعند مطالعة الصفحات الأُوَل من الرواية نجد مجهولية ذكر اسم الشخصية الرئيس في هذا العمل، وهذا الأمر يكثر من التساؤل وتعدد التأويلات أيضًا، وإن كان هناك بعض المحددات الدلالية وبعض السمات العصرية التي تجعلنا نستطيع أن نستنتج بدرجة عالية الشخصية المحورية لهذا الجنس الأدبي ومنها معاصرتها لهدى شعراوي والدكتور طه حسين وغيرهم، ولكن المبدع أراد وبدرجة عالية من الوعي أن يضع القارئ وسط مجموعة من التساؤلات وأن يجعل باب التأويل أمامه مفتوحًا لتكثر الحيرة والشغف لقراءة الرواية كاملة ومحاولة معرفة من هي الشخصية المحورية، وهل هناك أكثر من شخصية تنطبق عليه سيرة هذه الشخصية مجهولة الذكر؟
لقد جعلت ندى يسري القارئ يجول بخياله هنا وهناك محاولًا الإجابة عن التساؤلات التي تدور بداخله، ومنها لماذا لم يضع المبدع عنوانًا محددًا لروايته؟ ولماذا لم يفصح بذكر الشخصية المحورية؟ ولِمَ يكثر من مزج سيرته بالخيال؟ كل ذلك وغيره الكثير والكثير أرادت به المؤلفة مشاركة متلقيها عملها، ولم تجعله مُستهلكًا دون إبداء رأيه.
[1]- ينظر: السيميوطقيا والعنونة، د. جميل حمداوي ، مجلة علم الفكر، الكويت، مج 25، ع3، يناير/ مارس 1997، ص90.
[2] – ينظر البناء الروائي في أعمال محمد العالي عرعار الروائية: الطموح- البحث عن الوجه الآخر- زمن القلب، مقاربة بنيوية، بوراس منصور، رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس- سطيف، 2009/ 2010، ص32.
ميدل إيست أونلاين