قراءة في تاريخ “لا” النافية الفلسطينية: اليسار وهو يعود إلى بلاده!

 

خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة

تحولت “جمهورية الفاكهاني” في بيروت، في عنوانها الرئيسي العلني الرافض للواقع العربي، إلى مجمع كبير انخرطت فيه نماذج مختلفة من المعارضة العربية، وعلى نحو أدق مجمع يلجأ إليه كلُّ هاربٍ من سلطات بلده لأي سبب كان، سواء كان سياسياً أو جنائياً أو اجتماعياً ، وحتى لو كان نفسياً.

كانت المقاومة تتلقفه وتحتضنه وتدربه، فتؤسسه ليكون في عداد مقاتليها، لذلك انضم إلى صفوف المقاومة سوريون وتونسيون ومصريون ولبنانيون وعراقيون وغيرهم، واشتغل بعضهم فعليا بالمقاومة وتأطر بها، وتراجع آخرون مع زوال الأسباب الداعية للجوئهم لبيروت، وثمة من عاد ليشارك مع قوى أصولية مسلحة معارضة في بلاده ( هناك نماذج معروفة)..

لم يكن هذا (الجيش) الذي تشكل وفق منظومة لاتليق بالعمل الفدائي، قادراً على أداء عمله المقاوم كما كان في الأردن،  فهو منتشر في مكاتب وقواعد مكشوفة للعدو الإسرائيلي، وهو مفتوح على اختراقات كبرى جعلته يتحول تلقائيا إلى مشروع دولة تتصارع فيها عناصرها، وتتصارع عناصرها مع بنى الدولة اللبنانية، فتراجعت العمليات الفدائية، وانتشرت التناقضات الدموية في تلك الساحة ، وأفسح في المجال لتداخل عربي واسع في فصائل المقاومة، واختلط الحابل بالنابل!

على هذه الأرضية، وضمن هذا الواقع، كانت تجري الحوارات بين الكوادر الموجودة هناك، سواء في الحركة الوطنية اللبنانية بكل اتجاهاتها، أو على صعيد المجموعات والقوى السياسية القادمة إلى لبنان.

كشفت هذه الحوارات عن الفرقَ بين التحالف القائم بين المقاومة والحركة الوطنية اللبنانية على أساس مهمات تتعلق بالساحة الداخلية وتغيير في العقد السياسي فيها، وبين التحالف التاريخي القائم على دعم فكرة العمل الفدائي نفسه وهو مبرر وجود المقاومة.

ويمكن القول أن الجانب الثاني، هو الذي تغلب في نهاية الأمر، تغلب عندما وقع الاستعصاء الكبير مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وعندها تعرفنا على تيارات قوية من الحركة الوطنية اللبنانية تطلب من المقاومة الفلسطينية الخروج من لبنان فور وقوع الاجتياح لأن وجود منظمة التحرير لم يعد وجودا مقاوماً ، وجرت على لبنان كارثة وطنية.

في تجربتنا مع المقاومة، بدأت الفكرة بالدعوة إلى تجذير الوعي السياسي السوري من خلال تأهيل وطني يتم اكتسابه مع المقاومة الفلسطينية (اليسار)، وكان صاحبها سمير عباس، إلاّ أن جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، كغيرها من الفصائل ذات الطابع القومي العربي احتوت على تيارات يسارية وأخرى قومية كانت تتعايش بشكل طبيعي وتتنازع بصمت، ومع نشاط مجموعتنا برزت المسألة إلى الواجهة وكانت النتيجة التي وصلنا إليها هي صراع بين فكرتين عمليتين :

الأولى ، ضرورة الاندماج مع بنى المقاومة والعمل من داخلها عبر التفاعل مع كوادرها الوطنية النقية التي لم تذهب بعيدا في الولاءات الشخصية والاستغراق في الفوضى على الساحة اللبنانية ، وكان صاحبها المحامي عماد الدين دبوسي (عماد عبد القادر). ويعتمد عماد الدين دبوسي في فكرته نفسه على البقاء داخل المقاومة لأنها جوهر العمل السياسي العربي كله ولأن القضية المركزية هي فلسطين، ولأن أزمة اليسار مستعصية في سورية، كما هي أزمة الحزب الشيوعي وانشقاقاته.

والثانية، الانكفاء إلى الساحة السورية والبحث عن مصير مشترك مع التيارات الشابة اليسارية التي تبحث عن بديل وتسعى إلى تأسيس كيانات سياسية ، وكان صاحبها سمير عباس في حواراته مع فاتح جاموس أحد قادة رابطة العمل الشيوعي في سورية.

مات (الآن) كثيرون من قادة جبهة النضال، ومن بين الذين ماتوا الدكتور سمير غوشة، وسلطان سامي، وأبو رياض ، وكانوا متحمسين لنشاط المجموعات السورية وفتحوا أكثر من باب لنقل فهمها النظري إلى قواعد المقاتلين المنتشرة في لبنان، لكنهم لم يوافقوا أبدا على فكرة التعاطي مع  المعارضة السورية..

ومن المجموعة السورية توفي سمير عباس وخليل الخليل وزياد سخنيني. ومن الأحياء هناك كثيرون تشتتوا في مختلف الاتجاهات، عاد بعضهم إلى الحزب الشيوعي السوري بخطيه، ثم وصل سمير عباس إلى موقع قيادي في حزب الإرادة الشعبية الذي يقوده الدكتور قدري جميل وخرج من الحزب الشيوعي السوري. واعتقلت السلطات السورية من اشتغل مع المجموعات اليسارية السورية ( الرابطة + المكتب السياسي رياض الترك) وقد وصفت الدولة السورية هذه المجموعات بالمغامرة والموقف المعادي في أتون الصراع مع الأخوان المسلمين في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، واعتزل الباقون العمل السياسي كله..

 

يتبع الحلقة الأخيرة :

مصير لا النافية الفلسطينية (نتائج)

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى