شكّل تصاعد عمليات تصنيع وتجريب الصواريخ في الضفة الغربية صدمة لكيان الاحتلال الذي تعالت فيه الأصوات التحريضية على المقاومة في شمال الضفة، وتحديداً جنين.
خلال الشهر الأخير، ظهر جليّاً أن ثمة تطوراً لدى المقاومة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية. لم يقتصر هذا التطور على القدرة على مواجهة اجتياح الاحتلال للمدن الفلسطينية عبر العبوات الناسفة، بل تعداه إلى البدء الفعلي بتصنيع الصواريخ المحلية وتجريبها، وهو ما يشير إلى أن الفلسطينيين، ورغم الضربات الأمنية، يستطيعون تطوير عملهم وأدواتهم لمقاومة الاحتلال.
وقد شكّل تصاعد عمليات تصنيع وتجريب الصواريخ في الضفة الغربية صدمة لكيان الاحتلال الذي تعالت فيه الأصوات التحريضية على المقاومة في شمال الضفة، وتحديداً جنين، وباتت المطالبات بتنفيذ عملية موسعة أعلى صوتاً، فيما لم تدخر وسائل الإعلام العبرية جهداً في تناول أحداث عمليات إطلاق الصواريخ، لما تشكله من هاجس لدى الجمهور في “دولة” الاحتلال.
في الآونة الأخيرة، وتحديداً خلال الشهرين الماضيين، أعلن “جيش” الاحتلال عن عدد من الحوادث المتعلقة بتجريب إطلاق صواريخ من الضفة الغربية المحتلة، إذ أعلن في أيار/مايو الماضي أن قواته عثرت في قرية “نزلة عيسى” قرب جنين شمالي الضفة الغربية على قاذفة استخدمت في إطلاق صاروخ بدائي الصنع تجاه مستوطنة “شاكيد”. وفي 26 حزيران/يونيو، أعلن عن إطلاق صاروخين محليي الصنع من مدينة جنين وسقوطهما داخل أراضي الضفة.
عمليات تجريب الصواريخ في الضفة المحتلة ترافقت مع كشف الاحتلال عن اعتقال فلسطيني خلال الشهر الماضي من سكان قرية عَجّول في رام الله، بدعوى قيامه بتجهيز صاروخين محليي الصنع، والتخطيط لإطلاقهما باتجاه مدينة القدس المحتلة خلال “مسيرة الأعلام”.
ونقلت المصادر العبرية أنه تجري في جنين خلال الفترة الأخيرة محاولات إنتاج صواريخ محلية، ومن المحتمل أن يكون جسم الصاروخ والوقود الدافع هو الجزء الأخف، وربما يكون رأسه الحربي بمنزلة التحدي، وعلى منظومة الأمن فكّ شيفرة أداء الصاروخ تقنياً.
من الواضح أن هناك ضخاً في وسائل الإعلام العبرية منذ أسبوعين تجاه المقاومة في شمال الضفة المحتلة، وسط دعوات بتنفيذ عملية عسكرية موسعة لإنهاء المقاومة، فيما تستغل أطراف في اليمين وفي المستوى السياسي هذه التقارير والأنباء للضغط على “الجيش” والمستوى الأمني للموافقة على هذه العملية، وكله بهدف تغذية الروح اليمينية المتطرفة التي تعتاش على الدماء الفلسطينية، وتحويل ذلك إلى صورة ترمم عدم الثقة التي تنتاب الجمهور الإسرائيلي تجاه الحكومة الحالية.
وقد جاءت تصريحات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الأخيرة لتؤكد ذلك، إذ قال: “في هذه الحكومة، قتلنا 120 فلسطينياً في الأشهر الستة الماضية، وسيكون هناك المزيد في المستقبل، وهناك حاجة إلى المزيد، والجمهور يريد منا المزيد، ونحن قادرون على المزيد”.
من ناحية أخرى، كان “الجيش” والمنظومة الأمنية يرفضان التوجّه لشن عملية عسكرية موسعة شمال الضفة، بعدما أوضح “الجيش” للجميع أن مثل هذه العملية له مخاطر أكبر، وأن الظروف الحالية ليست مؤاتية، لكونها قد تفجّر مواجهة مع غزة، وستزيد من العمليات الفردية في الضفة، وربما تؤدي إلى مخاطر إقليمية أكبر.
التحريض على شمال الضفة يزداد بشكل كبير من وسائل الإعلام العبرية وأحزاب اليمين المتطرفة، وخصوصاً بن غفير وسموترتش، اللذين يطالبان بعملية “السور الواقي 2” ضد شمال الضفة، وهو ما قد يكون تمهيداً لعمل إجرامي جديد ضدّها في الفترة القريبة.
وكما استرضى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجمهور اليميني بعملية اغتيال عبر طائرة مسيّرة لثلاثة من المقاومين في جنين الأسبوع الماضي، في مشهد يحدث للمرة الأولى منذ 20 عاماً، فقد يدفع نتنياهو المستوى العسكري والأمني إلى عمل مشابه أو اجتياح مركّز يتم خلاله إيقاع أكبر عدد من الشهداء.
التحريض الإسرائيلي ترافق مع تحذيرات من مخاطر المقاومة المتنامية في الضفة، إذ إنَّ هناك خشية من تحول جنين إلى نموذج مشابه لغزة التي بات الاحتلال يعجز عن إيجاد حل للتعامل معها وإنهاء المقاومة فيها، فيما يخشى المحللون العسكريون أن سياسة الاحتواء المتبعة حالياً في جنين تشبه تلك التي تم التعامل فيها مع غزة، ووصلت في نهاية المطاف إلى أن يصبح القطاع غير قابل للكسر.
ماذا يعني إطلاق الصواريخ من الضفة؟
من الناحية الأمنية، إن تطور قدرات المقاومة في الضفة الغربية يمثل تهديداً كبيراً للأمن القومي الإسرائيلي، إذ إنَّ العمل المقاوم لن يقتصر على إطلاق الصواريخ، بل سيحمل تنوعاً في الأدوات والأساليب، إضافةً إلى حجم التأثير الذي تملكه المقاومة انطلاقاً من هناك.
من الناحية الاستراتيجية، إنّ خطر الصواريخ في الضفة كبير، إذ إنَّ إمكانية تطوّر هذه الصواريخ ستكون أسرع من أي وقت سابق، نظراً إلى أن المقاومة في الضفة يمكنها بمساعدة شقيقتها في غزة الوصول إلى خطوات أكثر تطوراً بالاستفادة من تجارب غزة في إنتاج الصواريخ.
أما من الناحية الجغرافية، فإنَّ إطلاق الصواريخ من الضفة المحتلة سيكون أسهل وأكثر تأثيراً في مستوطنات الاحتلال، إذ لن تحتاج المقاومة إلى مديات كبيرة للوصول إلى أهدافها، وهو ما سيشكل تهديداً حقيقياً لعمق الاحتلال، فـ”تل أبيب” والعفولة والخضيرة وحيفا لا تبعد عن مناطق الضفة سوى عشرات الكيلومترات.
وفي درجة أكثر خطورة على الاحتلال، يعدّ امتلاك المقاومة سلاح الصواريخ في الضفة مؤشراً خطراً، وإن كانت الصواريخ بدائية، فإنها ستظل عملاً مقاوماً لا يخضع لأي اعتبارات أو قواعد اشتباك، وهو ما يعني تصاعداً في استراتيجية المشاغلة مع الاحتلال، التي تعمل بدرجة أساسية على استنزاف قواته واستمرار حالة عدم الاستقرار لديه.
في المرحلة الحالية، ومع بدائية الأدوات العسكرية، يكفي أن هذه الصواريخ يمكنها صنع معادلة ردع مع الاحتلال، ويمكنها أن تؤثر في الجبهة الداخلية، وتخيف مستوطني الكيان ككلّ، وتصنع مزيداً من عدم الاستقرار لديه.
إجمالاً، إن المؤشرات التي يحملها تطور المقاومة في الضفة وتنوع أدواتها تؤكد أن خيارها يتصاعد ويتنامى، رغم الحرب الشرسة ضدها، ورغم سياسة “جز العشب” التي تمارس منذ أكثر من 20 عاماً، وهو ما يؤكد أننا في مرحلة جديدة من مراحل نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال.
الميادين نت