قرار الزواج … وخدمات «محرّكات البحث»
قرار الزواج … وخدمات «محرّكات البحث» ! عندما كان شاب يتقدّم لخطبة فتاة، كان أهلها يطلبون مهلة للرد قد تمتد أكثر من شهرين، حتى يصلوا إلى معلومات كافية ووافية عبر السؤال عنه، وصولاً إلى مدى استحقاقه الزواج من ابنتهم، بيدَ أن هذه العملية المعقّدة جداً باتت في وقتنا الراهن غير مجدية، واستبدلت بـ»المخبر» غير المباشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال «التنبيش» (التفتيش) في كتابات المتقدّم ومعرفة آرائه وأطروحاته في القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية و«أحياناً» الرياضية، وتقويمه من خلالها الذي يصل إلى نسبة 60 في المئة من قرار الموافقة من عدمها.
وبعدما كان اسم الخاطب يُتداول بين الأهل والمعارف للسؤال عنه. بات من السهل جداً وضع اسمه في محرّك بحث «فايسبوك» أو «تويتر» ومعرّفه في «سنابشات». ليصل السائل إلى ما يريد، عبر تحليل طرحه، ردوده، ومن هم أصدقاؤه. فلم تعد مواقع التواصل الاجتماعي تشكّل «عالماً افتراضياً». بل أضحت عالماً واقعياً يتم التعارف عبره وطرح الآراء. وفي أحيان كثيرة يتحوّل إلى ساحة نقاش قد تتطور إلى حرب، ما يظهر الشخصيات على حقيقتها ساعة الغضب.
قرار الزواج … وخدمات «محرّكات البحث»
وعلى رغم اتهام مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بـ»المثالية»، إلا أن الاختصاصي النفسي مصدّق الخميس يقول: «نحن نعبّر في ما بيننا عبر التواصل بما يتلاءم مع أفكارنا، توجهاتنا، وفلسفتنا الحياتية أيضاً. هي إسقاطات لما نريده ونبتغيه، لسنا مثاليين بقدر ما نلمّع أنفسنا بما يتناسب مع ما تشتهيه الجماعة التي ننتمي إليها. وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي صادقة إلى حد كبير في الحكم على الشخصيات، وفي الإمكان تحليلها عبر الكتابات والرسومات والشعر، ومعرفة الميول والاتجاهات والمعتقدات».
وعن مدى التطابق في الشخصيات بين مواقع التواصل أو الحديث وجهاً لوجه، قال: «مواقع التواصل أقلَّ قيوداً أخلاقية ورقابية، أما وجهاً لوجه فهناك التحفّظ والخوف وعدم الجرأة، أيضاً التواصل المباشر أكثر تمويهاً وخداعاً ومجاملة»، مضيفاً: «الطرق المتبعة للسؤال عن المتقدّم للزواج لا تعطي صورة كاملة عنه. إذ تتضح الشخصيات من خلال المواقف والمعاشرة، لكن لا ننكر أن السؤال أو البحث في الصفحات الشخصية يقدّم انطباعاً وإجابات عن أسئلة تجول في رأس الفتاة أو لدى أسرتها».
وتابع الخميس:
«كان الشاب يتزوّج من أقاربه أو جيرانه في الحي، وهؤلاء يعرفون بعضهم بعضاً تماماً. والآن الزيجات من أحياء وربما مدن متباعدة، وفيها شيء من الغربة واختلاف أساليب المعيشة والتربية، ومستوى الحرية، والتديّن، والانضباط الأخلاقي، فضلاً عن أن شباب اليوم متورطون بعجلة العصر وقلقه ومتطلّباته، ورغبتهم في الاستحواذ على كل ما هو ممتع، وذلك لدى البعض بالطبع، ما يجعل الاختيار والقرار صعبين. والموافقة تحتاج إلى جهد ووقت لدى الطرفين من الشاب بداية، ومن الفتاة ختاماً».
ولم تقتصر طرق البحث والتقصّي على مواقع التواصل «محرّكات البحث»،:
إذ وصل بعضهم إلى «تحليل الخط» عبر اللقاء مع المتقدّم والتحايل للحصول على ما هو مكتوب بـ»خط يده»، لعرضه على خبراء، وصولاً إلى صفاته الشخصية.
وقال خبير تحليل الخطوط محمد الرويشد:
«ذلك كثير جداً، ٨٨ في المئة من زوجات أو مقبلات على الزواج يعتمدن ذلك. والمصيبة أنهن يصررن على التحليل وأنا أرفض، لأني أعتبره أمراً هادماً للبيوت. فبعض القراءات والتحليل يظهر سمات منفرة قد يفهمها الشريك أنها حجة للانفصال، بيد أن بعض الأمور قد تحل بالتفاهم». واستطرد: «تحليل الشخصية يقوم على أسس علمية بعيدة من العشوائية، وهي فرع من فروع علم النفس. لا يمكن أن تجزم بما سيحدث للشخص مستقبلاً. لأنه سيتحوّل في شكل مباشر إلى تبصير وشعوذة. وهو ما يستغله محللون وباحثون كثر عن الربح الكبير والشهرة الواسعة والسريعة.
نحن الآن أمام ظاهرة خطرة كانت تحارب على أرض الواقع وبقوة. إلا أنها هربت إلى الواقع الافتراضي لتجد مساحة كبيرة من الحرية. ففي الوقت الذي كانت أحد أنواع الجذب السياحي في بلدان عربية وحتى أوروبية. إذ كان قارئو الكف والفنجان والودع يزدحمون على جانبي طريق المعالم السياحية. فأصبحوا الآن يفترشون المواقع والتطبيقات الإلكترونية، وهذا أمر خطر يجب معالجته، لأنهم الآن يصلون إلى المستخدم في كل مكان وفي صور وأشكال مختلفة».
وأردف الخميس:
«إن تحليل الشخصية عبر الخط والرسومات، علم يدرّس في أرقى الجامعات في العالم، ويجد مكانه في سوق العمل، ولا يمكن أن يكون له وجود من دون دراسة واطلاع وتخصص دقيق، بعيداً من العشوائية والتبصير والدجل. وفي السنوات العشر الأخيرة تقريباً، لاقى رواجاً واستحساناً من الناس، ولجأوا إليه لحل مشكلاتهم بطرق علمية متخصصة».