قرصنة الكتب.. آفة سوق الثقافة المصري
في ميدان «طلعت حرب» (وسط القاهرة)، استوقفتني فُرشةٌ للكتب على أحد الأرصفة، تعددت عناوينها بين مترجم وإصدارات حديثة وروايات الكتّاب الأكثر مبيعا (أحمد خالد توفيق، أحمد مراد، محمد صادق، وغيرهم)، تخللتها نسخةٌ مزورة لرواية أليف شــافاق «قواعد العشق الأربعون» وغيرها.. لا شك أن بائع الكتب على دراية تامة بكيفية عمل منظومة الكتب المزورة إلا أنه لا يصـــرح بذلك، مكتفيا بالقول إن ما يعنيه ربحه الذي يصل 30% من تكلفة طباعة الكتاب حسب قوله، مشيرا إلى أنه يتعامل مع مطبعة في مدينة نصر، دون أن يصرح باسمها. كتبٌ مزورة تُباعُ في وضح النهار ويعبُر قربها الجمـيع بمن فيهم السلطـات المنوطة بمعـــاقبة هكذا جريمة، الأمر الـذي يفـــجر العديد من التساؤلات.. لِمَ راجت الكتب المزورة مؤخرا لدرجة أن كتبها باتت تضاهي الكتب الأصــلية في السعر؟؟ أين يغفو قانون تجريم تزوير الكتب؟؟ دور النشر ما هي فاعـــلة في ظل هذا العبــث؟ وأين القرّاء من كل ذلك؟؟
«اتسع نطاق تجارة الكتب في مصر بعد ثورة يناير نتيجة لزيادة الاهتمام بالثقافة والقراءة، إلا أن تباطؤ الاقتصاد جعل الناس تميل لشراء الكتب الرخيصة، عوضا عن الاستغناء عن عادة القراءة، وهذا ما تتيحه الكتب المقرصنة» يقول الناشر محمد البعلي مدير مؤسسة صفصافة للثقافة والنشر، مشيرا إلى أن الكتاب لدى باعة الكتب المقرصنة لا تتجاوز نسبة سعره 25% من السعر الأصلي، خاصة إن كان الكتاب مستوردا وسعره مقوّم بالدولار فإنه لن ينزل عن 100 جنيه.
قرصنة كاملة
يضيف البعلي للسفير أن قرصنة الكتب لها أشكال عدّة أولها القرصنة الكاملة، حيث تأخذ المطبعة الكتاب بالكامل، باسم دار نشر معينة وتعيد طباعة صورة طبق الأصل من الكتاب بالكامل وتطرحه في السوق لكن بخامات وسعر أرخص، دون مراعاة حقوق المؤلف أو الناشر أو حتى الناشر الأجنبي في حال كان الكتاب مترجما. في الشكل الثاني، تقوم دار النشر بإعادة طباعة الكتاب دون الحفاظ على حقوق المترجم أو المؤلف، كبعض الدور التي تقوم حاليا بإعادة طباعة كتب من كلاسيكيات الأدب العالمي، فرغم أن حقوق الناشر الأصلي سقطت، إلا أن حقوق المترجم قد تكون قائمة لغاية اللحظة، غير أن دور النشر تعيد طباعتها غير آبهة بحقوق المترجم. أما في الشكل الثالث للقرصنة، تراعي الدار حقوق المترجم وان الدار نفسها لم تدفع حقوق الناشر الأصلي، مستحضرا واقعة حدثت في معرض كتاب 2015 حيث تعرضت دار نشر عربية شهيرة لشكاوى عديدة بسبب اعتدائها على حقوق الناشرين الأجانب لبعض الكتب الرائجة، ما دفع حاملي هذه الحقوق لتقديم شكوى ضدها لمعرض الكتاب في القاهرة فأغلق جناحهم.
يضع مدير صفصافة المسؤولية على عاتق الجهات المطبقة للقانون والمنظمة للسوق «فباعة الكتب المقرصنة يعرضون بضاعتهم في شوارع رئيسية بالقاهرة وليسوا مختبئين، ولو لدى السلطات رغبة وإرادة في إنفاذ القانون في هذه المسائل ستحد بشكل كبير من قرصنة الكتب» لافتاً إلى أن تنظيم سوق الكتاب ليس من أولويات السلطات، مثله مثل منع التحرش وتنظيم الأرصفة ومنع البناء العشوائي «جهاز الدولة المصرية معنيّ بشكل أساسي بالحفاظ على السلطة وليس حقوق المواطنين والناشرين».
الجريمة
«دار الشروق» من أكثر دور النشر المتضررة من تزوير الكتب خاصة أنها تنشر لأهم الكتّاب في مصر؛ يؤكد ذلك مصطفى الفرماوي مدير تزويد مكتبات الشروق، مضيفا للسفير أنّ الدار نفّذت محاولاتٍ لتخفيض أسعار الكتب عام 2015 عندما نشرت طبعات لكتّاب مثل أحمد مراد ويوسف زيدان، بالقطع الصغير وبسعر أقل مما باعته سابقا، إلا أن ذلك لم يحل دون تزوير تلك الروايات «تزوير الكتب جريمة بحق دور النشر، والشروق من الدور التي تعاني من القرصنة المستمرة ما يعرضها للخسارة إضافة إلى الخلل الذي يطال خطتها السنوية».
يضيف أن دار النشر النظامية لا يتجاوز ربحها 20% من تكلفة الكتاب فعليها مسؤوليات عدة منها الغلاف والمصحح اللغوي وحقّ المؤلف، كل تلك التفاصيل لا يضعها المزوّر في حسبانه ما يجعل ربحه يتجاوز 50%، مشيرا إلى أن القانون وحده سيردع تلك العصابات، شرط أن يتضمن تشريعات قاسية بحقهم كالغرامة العالية والحجز على المعدات وسحب الطبعة المزورة من السوق.
يعرّج الفرماوي على موقف عاشه برفقة الكاتب محمد صادق، عندما وقف الاثنان بجانب فرشة للكتب المزورة على أحد الأرصفة ليجدا رواية «هيبتا» لمحمد صادق، تباع بنسخة مزورة يفوق سعرُها السعرَ الحقيقي، وقد أوشك البائع تحويل اللحظة لحفلة توقيع عندما علم أن من يحدّثه مؤلف الكتاب، دون أي استحياء لبيع النسخة المزورة بل على العكس عبّر له عن عرفانه لرواج رواياته ما يعود عليه بالنفع المادي «انت مصدر رزقنا وفاتح بيوتنا، يا ريت لو توقع لنا بعض الروايات الموجودة».
يؤكد شريف باكير أمين عام اتحاد الناشرين للسفير أن «حرامي الكتب» مصطلح انتشر خلال العقود السابقة وهو شخص يرتدي بالطو، يدخل الأجنحة خلال معرض الكتاب ويسرق الكتب الأكثر غلاء، في حين بات للسرقة أشكالا عدة الآن، في ظل غلاء أسعار الكتب خلال السنوات الأخيرة، ما دفع بعض المطابع غير الشرعية لطباعة الكتب دون أن تتحمل تكاليف الضرائب أو الدعاية أو التسويق أو حتى الموظفين، فهي تعمل في الظل حيث لا هدف سوى الربح السريع الذي تحققه خلال أقل من أسبوع من طبع الكتاب.
سبل التزوير
«القانون يجرم تزوير الكتب، لكن تشريعات القانون ليست واضحة ومن الصعب على وكيل النيابة أن يحدد حيثيات الواقعة خاصة أنه لا يملك من الخبرة ما يجعله يعلّق على نوع الطباعة أو شكل الورق» مشيرا إلى أن اتحاد الناشرين يتضمن لجنة حماية الملكية الفكرية التي تُعنى بحماية حقوق الكتّاب والناشرين ومكافحة التزوير «اللجنة تعمل حاليا على تعديل قانون حماية الملكية الفكرية بهدف الإحاطة بجميع جوانب المشكلة، فالقانون الجديد يتضمن تغليظ العقوبة على مزوري الكتب، شاملا جميع سبل التزوير بما فيها القرصنة الالكترونية، إلى جانب مصادرة جميع مكنات ومعدات الطباعة المزورة، وجَعْل اتحاد الناشرين هو المختص بتحديد حيثيات الواقعة، فهو الأكثر دراية بكيفية تزوير الكتب».
يضيف أمين عام اتحاد الناشرين أن القانون الجديد مدرجٌ ضمن جداول مجلس الشعب، وبانتظار مناقشته والموافقة عليه يسعى الاتحاد إلى تطبيق القانون الحالي بالتعاون مع ضباط الشرطة من خلال عقد لقاءات جمعت الطرفين بهدف توعية الشرطة وتوضيع التفاصيل غير المفهومة، لافتا إلى إنجازاتٍ حققها اتحاد الناشرين مؤخرا في مكافحة قرصنة الكتب آخرها خلال الأسبوعين الماضيين وقد تخللهما إغلاق مطبعتين غير نظاميتين، بذلك تم الوصول إلى منابع المشكلة وليس فقط محاسبة باعة الكتب على الأرصفة.
ثمّة مسؤولية تقع على المؤلف أيضا فعليه أن ينبّه قراءه لأهمية اقتناء الكتاب الأصلي، وعلى الناشرين كذلك أن ينظروا في سعر مبيعاتهم، خاصة في ظل القلقلة التي تعيشها البلاد، إلا أن لدور النشر سياساتها الخاصة وهنا يؤكد باكير أن اتحاد الناشرين لا يتدخل في سياسة تسعير الكتب لدى دور النشر، فلكل دار سياسته المالية الخاصة، وَدَورُنا لا يتعدى التوعية.
ريثما يخرج القانون الجديد من الأدراج ما علينا سوى الانتظار، أملاً بلحظة تخلو فيها الأرصفة والمطابع من الكتب المزورة، لعلّ أسماءَ كجمال الغيطاني ورضوى وعاشور وإدوار خياط ترقد بسلام بعد أن توضع مؤلفاتهم بالمكان المناسب وبالشكل اللائق لتاريخهم الزاخر الغَدِق.
صحيفة السفير اللبنانية