قسد تسلم معتقلين لوزارة الداخلية السورية في بادرة تهدئة
قسد تؤكد أن هدفها الأساسي هو الحفاظ على أمن واستقرار المدنيين مشيرة إلى تمسكها بالحلول السياسية لتسوية الخلافات، بعيداً عن منطق المواجهة العسكرية.
تشهد العلاقة بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تحركات حثيثة توحي برغبة متبادلة في التهدئة والتقارب، في محاولة لتجنيب البلاد المزيد من التصعيد والانقسام، بعد سنوات من المواجهة غير المباشرة، وغياب التنسيق الرسمي بين الطرفين.
في خطوة لافتة، أعلنت “قسد” مساء الاثنين أنها سلّمت عدداً من الموقوفين من عناصر الجيش السوري إلى وزارة الداخلية في دمشق، وذلك في إطار ما وصفته بـ”بادرة حسن نية” تهدف إلى خلق مناخ إيجابي يساعد على تجاوز التوترات الميدانية، لاسيما في المناطق الساخنة مثل الشيخ مقصود والأشرفية في حلب.
وجاءت هذه المبادرة عقب اجتماع عُقد في مدينة الطبقة بين لجنة عسكرية تابعة لـ”قسد” ووفد رسمي من الحكومة السورية، بحث الجانبان خلاله التطورات الأمنية الأخيرة، وسبل منع تفاقم التوتر في المناطق التي تشهد احتكاكًا مباشرًا بين القوات النظامية وعناصر “قسد”.
وأكدت الأخيرة، في بيان رسمي، أن هدفها الأساسي هو “الحفاظ على أمن واستقرار المدنيين”، مشيرة إلى تمسكها بالحلول السياسية لتسوية الخلافات، بعيداً عن منطق المواجهة العسكرية.
ولا يعتبر الاجتماع الأخير منفصلاً عن حراك سياسي وعسكري مستمر منذ أشهر. فقد كشف قائد “قسد”، مظلوم عبدي، في مقابلة مع وكالة “أسوشيتد برس”، عن وجود توافق مبدئي مع الحكومة السورية لدمج قواته ضمن الجيش الوطني، في إطار إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية السورية، بما يعكس متطلبات الواقع الأمني الجديد بعد أكثر من عقد من الحرب.
وأشار إلى أن لجنة مشتركة بدأت العمل مع وزارة الدفاع السورية لتحديد آليات الاندماج، مضيفًا: “نتحدث عن عشرات الآلاف من المقاتلين ومثلهم من قوى الأمن الداخلي. لا يمكن ضمّهم بشكل فردي كما حدث مع فصائل أخرى، بل ينبغي دمجهم ضمن تشكيلات منظمة خاضعة للوزارة”.
كما رجّح أن يتولى عدد من قادة “قسد” مناصب قيادية داخل الجيش السوري، وهو ما يعد تحولًا كبيرًا في العلاقة بين الطرفين، قد يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع تشمل قضايا إدارية واقتصادية وأمنية، أبرزها ملف المعابر وحقول الطاقة.
وينص الاتفاق، الذي أُبرم في 10 مارس/اذار الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لـ”قسد” ضمن الدولة السورية، بما يشمل المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز. إلا أن تنفيذه ظل معلقًا لأشهر بسبب غياب الثقة ومخاوف متبادلة، خاصة بعد العمليات العسكرية التي شهدتها بعض مناطق الساحل والجنوب السوري.
وقد شهدت العاصمة دمشق لقاءً مهمًا جمع وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبوقصرة مع مظلوم عبدي، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري حيث خلُص إلى اتفاق لوقف شامل لإطلاق النار في كافة الجبهات ونقاط التماس شمال وشمال شرق سوريا، ما اعتُبر تطورًا ملموسًا على طريق التهدئة.
ويأتي هذا الاتفاق بعد تصعيد عنيف شهدته أحياء في مدينة حلب، حيث تبادلت القوات الحكومية و”قسد” القصف المدفعي، ما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين، وزاد من حالة الاحتقان بين السكان المحليين.
وفي موقف رسمي لافت، شدد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في وقت سابق على أن القيادة السورية تنظر إلى “قسد” كجزء أساسي من مستقبل البلاد، مؤكدًا أن غيابها عن مؤسسات الدولة يعيق جهود الاستقرار ويُطيل أمد النزوح.
وقال الشيباني إن اتفاق 10 مارس/اذار يحظى بدعم إقليمي ودولي، وإن الحكومة السورية نجحت في إقناع عدد من الأطراف الدولية بأن التعاون مع “قسد” في إطار الدولة هو السبيل الوحيد لتوحيد البلاد وضمان أمنها.
ورغم الإشارات الإيجابية، ما زالت هناك عقبات على طريق تنفيذ الاتفاق، من بينها المخاوف المحلية لدى سكان الشمال الشرقي من عودة قبضة الدولة المركزية، إضافة إلى القلق من أن تُفسر التنازلات المتبادلة على أنها شكل من أشكال الهيمنة، وليس الشراكة.
ويرى مراقبون أن مدى نجاح هذا المسار التوافقي سيعتمد على القدرة على ترجمة التفاهمات السياسية إلى ترتيبات عملية على الأرض، تشمل توحيد الهياكل العسكرية والإدارية، وتوزيع الموارد بشكل عادل، وتكريس الشفافية في ملفي الأمن والمحاكم.
في حال سارت الأمور وفق ما هو مخطط له، فإن انضمام “قسد” إلى مؤسسات الدولة الرسمية، عسكريًا ومدنيًا، قد يمثل نقطة تحول في المسار السوري، إذ يُمهّد الطريق لمرحلة أكثر استقرارًا، ويعطي إشارات واضحة إلى المجتمع الدولي بأن دمشق تسعى لإعادة بناء الدولة وفق مقاربة شاملة.
وفي ظل الانقسامات التي مزقت البلاد منذ 2011، قد يشكل هذا التقارب، إن استمر، بداية لنهاية مرحلة الاحتراب الداخلي، وبداية مسار طويل لإعادة توحيد سوريا، سياسياً وعسكرياً.
ميدل إيست أونلاين



