«قسد» تقرع باب دمشق: نريد تسوية
بشكل تدريجي، استدارت «قسد»، خلال الأسبوعَين الماضيَين، نحو دمشق، وبدأت تبحث عن سبل الدخول في صفقة معها، في ظلّ ارتفاع منسوب الخطر التركي الذي بدا جادّاً من جهة، والتراجع الأميركي الميداني من جهة أخرى. وتجلّت تلك الاستدارة، بوضوح، في التصريحات المكثّفة التي أدلى بها مسؤولو «قسد» خلال اليومَين الماضيَين، حول ضرورة العمل المشترك مع الجيش السوري للتصدّي للتهديدات التركية. وبحسب مصادر كردية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «هذا الانفتاح الكردي سببه في المقام الأوّل الخيبة التي مُنيت بها قسد من الولايات المتحدة، التي لم تُبدِ أيّ رد حقيقي على التهديدات التركية، وأجابت على استفسارات القيادات الكردية بأن المناطق التي تحدثت تركيا عن نيّتها مهاجمتها (تل رفعت ومنبج) خاضعة للإشراف الروسي، وبأن مهمّة الجيش الأميركي في سوريا هي محاربة داعش، وهو ما ظهر بشكل واضح في تصريحات نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش، الذي قال خلال اتّصالات مع قياديين في قسد إن واشنطن ملتزمة بشراكتها مع القوى الكردية في سياق محاربة داعش، إضافة إلى تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، الذي عبّر عن قلق بلاده من أيّ تصعيد في الشمال السوري لِمَا له من تأثير على محاربة التنظيم».
وتَكشف المصادر أن «واشنطن أبلغت قسد أن تركيا تنوي فعلاً مهاجمتها، وأن الضخّ الإعلامي المكثّف حول سوريا قد يتحوّل إلى هجوم فعلي خلال الأيام المقبلة»، ما دفع قادة «الإدارة الذاتية» إلى عقْد سلسلة اجتماعات كان آخرها الاجتماع الاستثنائي لـ«قادة المجالس والفصائل العسكرية»، أوّل من أمس، والذي اتّفق فيه المجتمعون على التنسيق مع الحكومة السورية. وترافق فتح خطوط التواصل، على نحو عاجل مع دمشق وموسكو، مع قيام الأخيرة بتكثيف حضورها العسكري، وإرسال المزيد من التعزيزات إلى خطوط التماس في حلب والرقة والقامشلي، في وقت عزّز فيه الجيش السوري قوّاته في مناطق عدّة، أبرزها محيط منبج وتل رفعت، وهما المنطقتان اللتان أعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، نيّة بلاده مهاجمتهما. وتُظهر الاستعدادات السورية عزم دمشق منْع احتلال أنقرة للمنطقتَين المذكورتَين بأيّ وسيلة، لاعتبارات عديدة أبرزها تفادي خسارة المزيد من الأراضي، بالإضافة إلى موقعهما، وبشكل خاصّ منبج التي تضمّ سدّ تشرين، والذي يُعتبر المصدر الرئيس لمياه حلب.
ويُظهر السياق العام للتطوّرات الميدانية والعسكرية أن الأكراد باتوا، بالفعل، على قناعة بضرورة تسليم منبج وتل رفعت للجيش السوري، أو على الأقلّ إيجاد صيغة ما تضمن خضوع هاتَين المنطقتين لسيطرته، خصوصاً أنهما تمثّلان جزءاً من اتفاق روسي – تركي مرتبط بإدلب، وكانت موسكو تماطل في حلحلة وضعهما بسبب مماطلة أنقرة في الوفاء بتعهّداتها في إدلب. ويعني أن خطوة تسلُّم الجيش السوري لمنبج وتل رفعت، في حال تَحقّقت فعلاً، ستتبعها خطوة أو أكثر في إدلب، التي تنتظر روسيا من تركيا أن تقوم بعزل «الإرهابيين» فيها، بالإضافة إلى فتح طريق حلب – اللاذقية.
سياسياً، بحث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي يزور أنقرة، مع نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، ملفّات عديدة تتعلّق بأوكرانيا وممرّات الحبوب التي تبحث موسكو إمكانية إنشائها، بالإضافة إلى الملفّ السوري الذي اكتفى الوزير التركي في شأنه بالتشديد على ضرورة «تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدّد وحدة أراضيها وأمن تركيا»، وفق تعبيره، في وقت قال فيه لافروف إن بلاده «تأخذ في الحسبان قلق تركيا من التهديدات التي تشكّلها قوى خارجية على حدودها، بما في ذلك تغذية النَّزعات الانفصالية في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأميركية بشكل غير قانوني في سوريا»، مشيراً إلى أن «الاتفاقات مع تركيا حول إدلب السورية يجري تنفيذها ببطء».
ولا تُعتبر استدارة «قسد» الحالية نحو دمشق أمراً جديداً، حيث تَقلّبت العلاقات مرّات عديدة، من دون أن تستقرّ على اتفاق واضح، بسبب ما تَعتبره دمشق «ارتهان مسؤولي قسد للولايات المتحدة الأميركية»، بالإضافة إلى محاولة الأكراد وضع شروط مسبقة على أيّ حوار، تضْمن لهم بقاء «الإدارة الذاتية»، وتحافظ على وجودهم الأمني وتَحكّمهم المطلق بمناطق سيطرتهم، وهو ما ترفضه دمشق، وتعدّه تقسيماً غير مباشر لا يمكن القبول به. بيد أن هذا الانفتاح الأخير قد يكون مختلفاً؛ إذ يتناول الطرفان، بحضور روسي، ملفّات ميدانية ساخنة قد تضع أرضيّة يمكن أن يُبنى عليها حوار بنّاء، ما لم تعبث الولايات المتحدة – كعادتها – بهذه الاتفاقات.