كتب

قصة حب تفضح جرائم النازية في ‘البحث عن ريبيكا’

محمد الحمامصي

بعد سنوات قليلة من السعادة والرومانسية بين الألماني “كريستوفر” واليهودية “ريبيكا”، تمزق الحرب العالمية الثانية كل شيء مرة أخرى. ونظرًا لأن “كريستوفر” ألماني، فقد تم استدعاؤه للعمل لدى النازيين، ومن ثم كان آمنًا، لكن ريبيكا من ناحية أخرى لم تكن محظوظة. حاول “كريستوفر” وعائلته العمل جاهدين إخفاء ريبيكا، لكن النازيين عثروا عليها في النهاية وشحنوها إلى ألمانيا لتوضع في أحد معسكرات الاعتقال. تم إلحاق “كريستوفر” لاحقًا بوظيفة في أحد المعسكرات وقد استغل ذلك محاولا العثور عليها. خطته هي العثور على ريبيكا على قيد الحياة وأن يجد طريقة لتهريبها من المعتقل. لكن خطته تنهار عندما أخبره والدها أنها قُتلت في المعسكرات.

انطلاقا من رؤية واقعية من داخل المعسكرات النازية، تأتي “البحث عن ريبيكا” للكاتب الإيرلندي إوين ديمبسي، التي ترجمها محمد عثمان وصدرت عن دار العربي، والتي تدور حول “كريستوفر” و”ريبيكا”، كريستوفر شاب ألماني نشأ في جزيرة جيرسي، هو وعائلته؛ وهي العائلة الألمانية الوحيدة في الجزيرة. أما “ريبيكا” فهي فتاة يهودية تعيش أيضًا في جيرسي. والدها يضربها وهو مدمن على الكحول ووالدتها أيضا مدمنة مخدرات. يجمع بينهما الحب والصدقة منذ الطفولة، إلى أن وقعت الحرب العالمية الثانية وزحف النازيين على الجزيرة ومطاردتهم ليهودها ومن ثم اعتقال ريبيكا وترحيلها.

بسبب فقدان حب حياته ينهار كريستوفر، لكنه يستغل انضمامه إلى الجناح العسكري للحزب النازي، في محاولة للبحث “ريبيكا” لإنقاذها. في معسكر “أوشفيتز” يجد كريستوفر نفسه متحكمًا في الأموال المسروقة من ضحايا غرف الغاز. يكافح “كريستوفر” ليس فقط حتى لا يكشف أمر بحثه عن حبيبته، ولكن أيضًا للحفاظ على إنسانيته. فقد منحته إدارة نهر الأموال الملوثة المتدفقة عبر عالم “أوشفيتز” المروع فرصًا غير متوقعة، وهو ما يحدث بالفعل حيث يتعرف القارئ على ما يجري من جرائم فظيعة، وعلى دوره في المعتقل، واحتقاره لهذا الدور، لكن يتحمل من أجل مهمتين الأولى تتمثل في العثور على ريبيكا والثانية انقاذ ما يمكن انقاذه من أرواح.

إذن على خلفية قصة الحب هذه تتكشف الكثير من جرائم النازيين من قتل لليهود وسرقة لأموالهم في معسكرات الاعتقال. ومن جهة أخرى ما جرى لجزيرة جيرسي تحت الاحتلال النازي. حيث تنطلق الرواية من عام 1943 عندما تمتعيين كريستوفر ضابطًا في قوات الأمن النازية الخاصة في أوشفيتز بيركيناو، وهو معسكر اعتقال في مجمع أوشفيتز الأكبر.

في معسكر اعتقال مجمع أوشفيتز الأكبر تتكشف حقائق معسكرات الاعتقال: القتل الجماعي لمئات الآلاف من الأشخاص اليهود. يشعر كريستوفر بالانزعاج والاشمئزاز مما يجري، ويحاول أن يحمي أكثر من 600 سجينة في عهدته من وحشية قوات الأمن النازية الخاصة؛ وينقذ أكثر من 100 طفل من الموت الفوري بترتيب نقلهم إلى دير خارج المعتقل. إنه يقوم بسحب بعض الأموال التي تم جمعها من ضحايا المحرقة من أجل رشوة ضباط آخرين لمساعدته للحد من عمليات الإعدام والممارسات غير الإنسانية، وعلى الرغم من شكوك رؤسائه ورفاقه، لكنه مع ذلك يصمم على معاملة من هم تحت إمرته من السجناء بإنسانية.

في عام 1954 عندما يجري كريستوفر مقابلة إذاعية حول الأرواح التي أنقذها كضابط في قوات الأمن النازية الخاصة، وعندما يرى ريبيكا من نافذة محطة الراديو، يصمت،ويدخل في حالة ذهل لرؤية وجه المرأة التي يحبها والتي اعتقد أنها ماتت. بعد أن يكمل المقابلة الإذاعية يلتقي ريبيكا ويقضي معها بقية المساء، أولاً في نزهة، ثم العشاء في أحد الفنادق.

تتحدث ريبيكا عن حياتها في معسكرات الاعتقال وكيف أثرت على حياتها، وكيف تريد أن تعيش حياة قد تعوض جميع الأرواح التي فقدت خلال الهولوكوست. وأنها متزوجة من رجل يدعى آري، وكلاهما يعمل لحساب الحكومة الإسرائيلية لتحقيق العدالة للمتورطين في قتل اليهود خلال الهولوكوست. في جزء من محادثتهما، يبدو أن ريبيكا تأسف لمجيئها لرؤية كريستوفر، لكنها قررت في النهاية أنه من الجيد رؤية أحدهما للآخر. إنها سعيدة بمعرفة أن كريستوفر كان مجرد ضابط في قوات الأمن الخاصة وأنه قبل ذلك في محاولة للبحث عنها وإنقاذها، وهي سعيدة بشكل خاص لأنه استغل عمله لإنقاذ مئات الأرواح الأخرى، فيما كريستوفر بدا أنه يحبها تمامًا كما كان دائمًا.

يتحدث كريستوفر قليلاً عن وقته في معتقل أوشفيتز،إنه يشعر بالارتياح لمعرفة أن ريبيكا على قيد الحياة وأنها تعمل بشكل جيد، رغم أنه يتمنى أن تتمكن من البقاء معه. يتحدث كريستوفر أيضًا عن ابنته هانا، التي تبناها من معتقل أوشفيتز. كانت “هانا” هي آخر طفل أنقذه، وعندما تعذر تحديد مكان عائلتها، قرر أنها ستكون ابنته.

بعد عدة ساعات معًا. عادت ريبيكا إلى تل أبيب وعاد كريستوفر إلى جيرسي،بعد شهرين، كان كريستوفر في المنزل مع عائلته عندما أعطته ابنته “هانا” رسالة موجهة إليه تم تسليمها يدويًا. بمجرد أن يرى الرسالة، يعرف أنها من ريبيكا. كانت على طاولة الفراشة، وهي جزء من الشاطئ سمته هي وكريستوفر عندما كانا طفلين. يندفع كريستوفر إلى الشاطئ حيث تنتظره ريبيكا. تنتهي الرواية برؤية كريستوفر لريبيكا من بعيد. لا توجد كلمات متبادلة، لكن يمكن للقارئ أن يفترض أن ريبيكا موجودة هناك لتقضي بقية حياتها مع كريستوفر، كما كان يقصد الاثنان دائمًا.

 

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى