قضية ثقافية| لماذا مُنعت رواية “ممر بهلر”؟
الرقابة المصرية تمنع التداول برواية “ممر بهلر” لعلاء فرغلي. ماذا قال المؤلف والناشر للميادين؟ وكيف تفاعل المثقفون مع القرار؟
يحكي الأميركي راي برادبري في روايته “فهرنهايت 451” عن نظام شمولي يغزو العالم، يرى في الكتاب عدوّه الأول، ومن ثم يدعو إلى حرقه وتجريم اقتنائه. هذا المستقبل الظلامي المتخيّل ليس ببعيد عن عالمنا العربي، لاسيما منع التداول ببعض الكتب “المخالفة” للتوجّه السياسي والديني للأنظمة الحاكمة.
لعلّ آخر تلك الوقائع عربياً، ما أثاره الكاتب المصري علاء فرغلي، يوم 9 آذار/مارس الماضي، حيث نشرعلى صفحته على موقع “فيسبوك” منشوراً حزيناً لقرّائه قال فيه إن روايته “ممرّ بهلر” الصادرة حديثاً “دار ديوان للنشر” ممنوعة من التداول في مصر.
وكشف أنه كتب منشوره مضطراً، لا سيما وأنه قد منع منذ صدوره “في يوم 24 يناير وحتى الآن”، وأنه لم يطّلع “على التقرير الذي أعدّ حوله، ولا الجهة التي منعته”.
بدأت الأزمة بعد قرار “دار ديوان” المشاركة في فعاليات “معرض القاهرة الدولي للكتاب” بمجموعة من الإصدارات الجديدة ومنها رواية فرغلي. علماً أنها طبعت في المنطقة الحرّة، وهي المنطقة الاقتصادية التي تُعامل فيها الكتب باعتبارها إصدارات أجنبية، ومن ثم، كان منطقياً أن تمرّ على مكتب الرقابة على المصنّفات المطبوعة، الذي تعرض عليه الصحف والمجلاّت الأجنبية، أو بالأحرى كل ما طبع في الخارج وجاء إلى مصر.
وكان بديهياً أن تكون الرواية في عداد ما سلف، لكن على غير العادة، أو على عكس ما توقّع كاتبها بأن يكون الأمر إجراء روتينياً، بقيت الرواية معطّلة لمدّة أسبوع، حتى تواصلت الدار مع مكتب الرقابة، لتؤكّد أنها مجرّد رواية متخيّلة، حاصلة على رقم إيداع مصري.
في 2 شباط/فبراير 2022، وقبل يومين من انتهاء “معرض القاهرة للكتاب”، أفرج القائمون على الأمر عن بعض نسخ الرواية.
ويقول علاء فرغلي في حديث مع “الميادين الثقافية” إن النسخ المفرج عنها بلغت 40 نسخة، شاركت فيها الدار ضمن إصدارتها، لكن ما هي إلا ساعة مرّت على تواجد الرواية على رفوف البيع؛ حتى سُحبت النسخ المتبقية، بحجّة أن إجراءاتها لم تنته.
ثم بعد قرابة الشهر؛ حاول فرغلي الوصول إلى قرار بشأن روايته، لكن تبيّن له أن جهة سيادية هي من تتابع الأمر، وأن القرار خارج عن إرادة الموظفين الصغار. حينها تعجّب الكاتب متسائلاً عن سرّ هذا القرار حيال رواية متخيّلة، فأجابوه بأن نظرتهم إلى الأمور عميقة بعض الشيء.
يقول فرغلي إنه أكمل طريق التساؤل حتى النهاية، لكنه لم يجد جواباً في آخره. حتى أنه كتب التماساً لإعادة النظر في قرار عدم التصريح بالرواية، وانتظر أسبوعين على تقديمه الالتماس، لعلّه يأتي ردّ، لكن في الأخير، لم يجد أمامه غير تفجير القضية على مواقع التواصل، آملاً أن يهتمّ أحد لأمره.
هل عطّلت الثورة “ممر بهلر”؟
لمقصّ الرقيب تاريخ طويل مع الأدب المصري، وأشهر حوادثه، منع نشر رواية “أولاد حارتنا” لأديب نوبل المصري نجيب محفوظ، بحجّة أنها تسيء للذات الإلهية، وتسخر من قصص الأنبياء، إلى أن صدرت عن “دار الآداب”في بيروت لأول مرة عام 1962م.
وكذلك ما أثارته “وليمة لأعشاب البحر” للأديب السوري حيدر حيدر، التي تفجّرت أزمتها بعد 17 عاماً من تاريخ صدورها، وتحديداً حين طبعها في مصر عام 2000، ومنع الأزهر الشريف له، باعتبارها “تسيء إلى الدين الإسلامي”.
أما عن التساؤل بشأن سبب منع “ممر بهلر” لعلاء فرغلي، فقد حاولنا البحث عن إجابة لدى مؤلّفها، لا سيما وأننا لم نقرأها لعدم توافرها، وقد أكّد لـ “الميادين الثقافية” أنها تحكي قصة روائي شاب، مشهور بقدر ما، غير راض عن الوضع السياسي في البلاد، لذلك يدعو أصدقاءه ممّن يمتلكون متابعين على مواقع التواصل، إلى ثورة لتصحيح الأوضاع. وينجح الشاب في ما طمح إليه.
يتّخذ العمل فترة ما قبل ثورة 25 يناير 2011 زمناً للأحداث، كذلك ثمّة رابط آخر بين روايته وثورة يناير المصرية، هو أن موقع “فيسبوك” كان”أداة” الثورة في كليهما.
كما أن “ممر بهلر” هو أحد أشهر شوارع وسط القاهرة، التي شهدت أحداث الثورة قبل 11 عاماً. لكن مؤلّفها يؤكّد أن أحداثها لا تتماس مع عصر أو زمن بعينه، فهي رواية تشتبك مع ما تغيّر من أوضاع، أو مع ما بقي على حاله بعد ثورتين.
ويؤكّد فرغلي إنها مجرّد قصة متخيّلة، ولا قيود على الخيال، وأن كل مبدع قد يخلق مدينة ما، ينسج الأحداث داخلها، ثم يستعين من الواقع ببعض أسماء البلدان، أو وربما يخلق أسماء جديدة لها، “قد يتماس خياله مع الواقع، لكن إن حدث ذلك فهل يصبح العمل الأدبي مهدّداً للأمن العام؟.. أيّ أمن هذا الذي تهدّده رواية متخيّلة!”.
غضب المثقّفين وإنكار صاحب الدار
صُدم فرغلي بقرار المنع، و”تمنّى أن يتدارك صاحب القرار هذا الإجراء”، كذلك لم يكن الوسط الثقافي المصري أقل صدمة منه، والذي تفاعل مع منشوره برفض يشوبه التعجّب. كان الروائي إبراهيم عبد المجيد أشهر المتفاعلين مع الأمر، وقد أكّد في منشور له أن”منع رواية من التداول خطأ غير منتظر”، وأن مصر أكبر من أيّ كاتب، مضيفاً إن حرية الكتابة تعطي مصر قوّة وقيمة، راجياً مَن فعل ذلك بأن “يعود عن قراره تقديراً للحياة الثقافية ولمصر”.
من جانبه، لم يكتف الروائي نعيم صبري بالتضامن مع الكاتب الشاب عبر صفحته، لكن ولأنه كان ممن حصلوا على نسخة من الرواية فور وصولها إلى المعرض في كانون الثاني/يناير الماضي، فقد عرض استعداده “لتصوير وتجليد نسخة لكل صديق يطلب قراءتها”، بل أكّد أنه بدأ بالفعل في عمل ذلك.
تواصلت “الميادين الثقافية” أيضاً مع الكاتب أحمد القرملاوي، مدير “دار ديوان للنشر”، الذي نفى ما قاله مؤلّف العمل، مؤكّداً أن الأمر لا يتعدّى كونه إجراء روتينياً استغرق بعض الوقت، لاسيما وأن “الرواية طبعت في المنطقة الصناعية، التي تُعامل فيها المطبوعات مُعاملة الكتب الأجنبية التي تخضع لبعض الرقابة”.
وأضاف القرملاوي إن محامي الدار أبلغه أن الأمر بسيط، ومتعلّق بأكثر من عمل آخر، وليس رواية “ممر بهلر” فقط. وبسؤاله عما قاله مؤلّف العمل أكّد عدم مسؤوليته عما كتبه فرغلي، قائلاً: “أنا مسؤول عن كلامي فقط”.
أما بشأن وصول بعض النسخ إلى جناح “ديوان” في معرض القاهرة ثم سحبها مرة أخرى، فقال إنهم جاؤوا ببعض النسخ لتصويرها فقط، ثم إعادتها ثانية حتى تنتهي الإجراءات، نافياً أيضاً أن تكون قد بيعت نسخة واحدة من الرواية داخل جناح الدار.
بين تعارض تصريحات كل من فرغلي والقرملاوي، تبقى الرواية محجوبة عن السوق المصري، وليس ثمة نسخة واحدة في المكتبات.
كذلك كانت هناك وقائع سابقة تؤكّد محاولة إحكام الرقابة على سوق النشر في مصر، سواء تلك التي سبقت معرض القاهرة للكتاب 2022، مثل رفض مشاركة دار “عصير للكتب” في فعاليات الدورة 53؛ بحجّة انتمائها لجماعة الإخوان المحظورة، أو تلك التي ارتبطت بإلغاء مشاركة “الشبكة العربية للأبحاث والنشر”.
أيضاً هناك محاولات لصنع رقابة تتولّى مسؤليّتها دار الكتب والوثائق القومية، بإدخال تعديلات على شروط الحصول على رقم الإيداع.
في العام 2015 كان يتطلّب الأمر إحضار غلاف الكتاب، ليحصل الناشر عليه في نفس اليوم. لكن منذ العام 2018 تغيّرت الشروط، بحيث صارت أكثر تعقيداً، وقد تضمّنت تقديم صاحب الدار إقراراً بمسؤوليّته عن محتوى الكتاب.