قطر ما بعد الاخوان. الاخوان ما بعد قطر (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

كانت قطر، وهي دولة خليجة صغيرة الحجم، قليلة السكان قد خططت لفرض هيمنتها على دول كبيرة في المنطقة من خلال العمل على تسهيل ودعم وصول جماعة الاخوان المسلمين إلى السلطة في تلك البلدان.
في المقابل فان جماعة الاخوان المسلمين كانت قد وجدت في الدعم القطري غير المحدود غطاء لتمرير اجنداتها السياسية التي تقوم بشكل اساس على فكرة اصلاح المجتمعات الفاسدة من خلال تولي امرها وارشادها وإن لم ينفع ذلك الارشاد فان ممارسة العنف لن تكون مستبعدة.
هناك إذاً مساران سياسيان متنافسان، خُيل إلى البعض أنهما قد ارتبطا إلى الأبد على هيأة مسار واحد.
كان كل طرف من طرفي المعادلة يسعى الى استعمال الثاني، بغية الوصول إلى هدفه.
فقطر وهي الدولة التي انفقت المليارات على جماعة دينية تسعى الى نشر فكر ماضوي، لم تجد في المسعى الاخواني ما يناقض مزاعمها وهي تمول الاضطرابات في بلدان الربيع العربي وسواها بذريعة دعم التحول إلى قيم الحياة السياسية المعاصرة في تلك البلدان.
اما الاخوان فانهم صاروا يستفيدون من الاموال القطرية في تكريس وجودهم على الارض من غير ان يخفوا خشيتهم من وصول مساعي قطر المريبة إلى طريق مسدودة، وهو ما يعني وقوفها مضطرة بين خيارين: اما الاستمرار في دعمهم والوقوع في العزلة الدولية أو الاستغناء عنهم بحثا عن رضا المجتمع الدولي.
لم يكن غائبا عن الذهن الاخواني، وهو الخبير بالدسائس والمؤامرات أن قطر قد لا تكون قادرة على الذهاب في دعم الجماعة الدينية المتشددة إلى النهاية، في حالة تبلور موقف عربي أو عالمي مضاد للطموحات الاخوانية.
غير أن قطر من جهتها كانت واعية إلى ما يفكر فيه الاخوان، متجاوزين طموحاتها في الهيمنة على القرار السياسي في بلدان عربية عديدة، اتيحت للجماعات الدينية فيها فرصة الاقتراب من السلطة.
كان الحذر واجبا في ظل علاقة قائمة على مبدأ التآمر.
غير أن ما لم يكن يفكر فيه الاثنان أن تنكشف حقيقة مخططاتهما التي كانا يسعيان من خلالها إلى تقويض حالة الاستقرار والامن في بلدان مجلس التعاون الخليجي، وهو المجلس الذي لا تزال قطر عضوة فيه. وهو ما يعني أن قطر لم تجد عيبا في التآمر على المبادئ التي كانت قد وقعت عليها في وقت سابق.
ومثلما انتهت سنة واحدة من حكم الاخوان في مصر بفضيحة التخابر مع جهات أجنبية للتآمر على مصر، فان الدول الخليجية الثلاث (السعودية، البحرين والامارات) قد وجدت نفسها مضطرة إلى التصدي إلى تدهور الحالة الاخلاقية لدى شقيقتهم، بعد أن تأكدوا أن النصح الاخوي لم يمنع قطر من المضي في التآمر إلى أقصاه.
وكما يبدو فان سقوط حكم الاخوان في مصر كانت له تأثيراته المدوية في ذلك العالم التآمري، وهو ما كشف عنه انتقال الطرفين المتآمرين إلى الخطة البديلة، من أجل تعويض ما نتج عن الاخفاق في مصر.
الآن وقد افشلت دول الخليج خطة التآمر البديلة، فان قطر قد تجد حرجا في التخلي عن الدعم العلني والمباشر لجماعة الاخوان المسلمين، لا لشيء إلا لخشيتها من أن تقوم الجماعة، بعد ان انتقلت إلى العمل السري في فضح ما خفي من الدور القطري المريب في المنطقة.
هذا لا يعني بالضرورة أن قطر قد انتقلت إلى مرحلة ما بعد الاخوان.
وهو ما لن تفعله إلا حين تتأكد أن الجماعة ستظل عاجزة عن الانتقال إلى مرحلة ما بعد قطر.
من المنطقي أن لا تضحي قطر، وهي دولة بغض النظر عن حجمها وعدد سكانها، بعلاقاتها الاقليمية والدولية من أجل جماعة، باتت اليوم محظورة عربيا. فهل يتغلب المنطق على الخيال القطري المعبأ بالمتفجرات؟

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى