
قمة القاهرةقمة القاهرة ومواجهة التحديات… لا تستطيع عبارات التهديد والوعيد والإهانة التي تصدر يومياً من قبل رئيس الولايات الأمريكية المتحدة، بنرجسيّته وشطحاته، تجاه الأمة العربية، وعلى الأخص قضيتها الكبرى الوجودية في فلسطين المحتلة، إلا أن تثير غضب واستنكار جميع سلطات وشعوب هذه الأمة. من هنا الترحيب الواسع والإشادة بدعوة مصر لانعقاد مؤتمر قمة في نهاية هذا الشهر، ومن هنا أيضاً الآمال الكبيرة المعقودة على جدية وفعالية القرارات والمواقف التي ستصدر من ذلك الاجتماع.
لن يسلم شعب عربي واحد ولا قطعة أرض عربية واحدة من المؤامرة الاستعمارية الصهيونية القديمة ـ الجديدة المتجددة، وراء ألف قناع، من هنا الأهمية الكبرى لاجتماع القمة المقبل
قمة القاهرة ومواجهة التحديات
فتصريحات واقتراحات الرئيس الأمريكي، ومن ثم صنوه المجرم السفّاح نتنياهو الصهيوني، ليست عبارات خلاف في وجهات نظر سياسية وأمنية. وإنما هي قرارات ومؤامرات مدروسة ومخططة لرجوع الاستعمار إلى كل أرض العرب والتحكم في حاضر ومستقبل هذه الأمة. وهي قرارات تنطلق من المبدأ الاستعماري الاستئصالي الغربي الشهير. القائم على الاستعلاء العرقي للرجل الأبيض على كل الأعراق الأخرى. وعلى كذبة أن هذا الرجل هو أكثر ذكاء وتمدناً وعقلانية وقدرة على إدارة شؤون الإنسانية برمّتها أيضا. كما وعلى أن قتل أو تهجير الشعوب، التي قد تقف في وجه الرجل الأبيض هو ممارسة مقبولة. حتى لو كانت تتناقض مع كل شرعة وقيم وحقوق إنسانية أيضا.
نحن اليوم أمام رجلين مريضين بنرجسية مهلوسة. يريدان إرجاع كل مبادئ وقيم وأخلاقيات وسلوكيات الرجل الأوروبي الأبيض. الذي قتل وشرّد وأفقر وعزل الملايين من السكان الأصليين في أمريكا الشمالية والجنوبية، وفي استراليا ونيوزيلندا أيضا. والذي تمتع بكل صلف استعمار أغلب مجتمعات وشعوب الكرة الأرضية. ولذلك فإن دعوتهما لتهجير سكان غزة، ومن ثم الاستيلاء على أرض غزة للقمار والعربدة. وتسمية مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، وكأنها ملكهما الخاص، كأوطان بديلة للمهجرين. كما والمناداة بضم الضفة الغربية لأملاك الكيان الصهيوني، والتهديد الأمريكي الحقير بايقاف المساعدات لمصر والأردن.. فإن كل تلك التصريحات المشينة والسلوكيات المقززة هي في الحقيقة ليست أكثر من إرجاع لتاريخ الاستعمار الأسود. وللأيام التي كان فيها الرجل الأوروبي متحكماً في مقدرات هذا العالم كله. ولكن مع إضافة عنصر جديد هو، التحاق مميز توراتي خرافي للاستعمار الصهيوني. الذي بزّ في جرائمه وقدراته التدميرية واحتقاره لكل القوانين والأعراف والقيم الأخلاقية، كل ما فعله الرجل الأوروبي سابقاً.
الأهمية الكبرى للاجتماع المقبل
ولكن أيضاً مع انتقاء لضحية جديدة ممثلة في الشعب العربي الفلسطيني حالياً في الدرجة الأولى وفي كل الشعوب العربية مستقبلاً. لن يسلم شعب عربي واحد ولا قطعة أرض عربية واحدة من هذه المؤامرة الاستعمارية الصهيونية القديمة ـ الجديدة المتجددة، وراء ألف قناع. من هنا الأهمية الكبرى لاجتماع قمة القاهرة المقبل، ليس فقط من أجل مواجهة المؤامرات المتناثرة العابرة، وإنما أيضاً من أجل اتخاذ قرارات جذرية ووضع خطوط حمر لمواجهة هذه الهجمة الأمريكية ـ الصهيونية أيضا. التي قررت أن تفتح أبواب جهنم على كل الأمة العربية، في كل حقل من حقول الحياة. بهدف إبقائها ممزّقة ومتخلفة وخاضعة على الأخص للأحلام والإملاءات الصهيونية أيضا.
إننا بانتظار أن يكون الاجتماع المقبل صحوة حقيقية تاريخية وجودية، تؤدي إلى رجوع الإرادة العربية المشتركة التي عانت الكثير من الطعنات. وإلى التحام قوى الدولة مع قوى المجتمع على مستويات الأقطار ومستوى الوطن العربي أيضا. كما وإلى بناء كتلة عربية ـ إسلامية تتمتع باحترام العالم وبالقدرة على ممارسة الأفعال والندّية في مواجهة الأخطار المحيطة بكل دولها، وإلى زوال الاعتقاد من قبل البعض بأن الخلاص الفردي الذّاتي السّيادي للدول والأنظمة مقدم على الخلاص الجمعي السّيادي الشامل. وإلى الإدراك العميق الصادق، بأن دخول منافسات عوالم التكنولوجيا والعلوم والأنظمة المتطورة في السياسة والاقتصاد والأمن على الأخص لا يمكن أن تكون أبوابه مفتوحة إلا من خلال أنواع من توحيد الإمكانيات العربية والعربية ـ الإسلامية في شتى المجالات. ومن دون استثناء. إننا نشعر بأن بداية ذلك الوعي قد أزف أوانها بعد أن عانى الجميع من مآسي النكبات وجحيم ضعف الإرادات الحرة المستقلة.
القدس العربي