قمة سوتشي تفتح مسار «الحوار الوطني»
مهّدت التطورات التي حملتها الأيام القليلة الماضية الطريق أمام جولة جديدة من الحراك السياسي تلي أشهراً من المعارك الطويلة التي غيّرت معادلات القوى، وفرضت نفوذاً إضافياً لدمشق وحلفائها. وبعد استعادة مدينة البوكمال الحدودية، يتسارع زخم المعارك ضد «داعش»، ويقترب الجيش مع حلفائه من طرد التنظيم من جميع بلدات وادي الفرات. هذا الاندفاع العسكري سيُترجَم لاحقاً على طاولات المفاوضات.
ومن الممكن القول إن علائمه بدت في اجتماعي سوتشي والرياض، اللذين يتكاملان لإنتاج حوار يلتزم التوافق الدولي حول ملف «التسوية السورية». قمة سوتشي الروسية ــ التركية ــ الإيرانية، خرجت بمواقف للرؤساء الثلاثة، تعكس تصوراً مشتركاً حول الملف السوري. ولكن كلاً منهم ركّز على الملفات التي تتمتع بحساسية خاصة لبلاده.
التوافقات الأهم كانت على وحدانية الحل السياسي، وعلى مسألة وحدة الأراضي السورية واستقلالها، التي يتشاركها «ثلاثي سوتشي» في وجه المصالح والأجندة الأميركية، المخطط لها لتكون طويلة الأمد في شمال وشرق سوريا. وشدد المجتمعون على ضرورة تعزيز التنسيق المشترك، للحفاظ على «الإنجازات» المتعلقة بمناطق «تخفيف التصعيد».
ووفق المتوقع، استغلت تركيا منبر القمة لتؤكد أن المعارضة التي ستحضر مؤتمر «الحوار الوطني» المرتقب، لا بد أن «تلتزم سيادة سوريا واستقلالها، ووحدة أراضيها وبنيتها غير القابلة للتجزئة»، في إشارة واضحة إلى تطلعات جزء من الأكراد السوريين إلى أشكال من الحكم الذاتي مستقبلاً، بدعم أميركي.
بدوره، رأى الرئيس بوتين أن المحادثات التي استضافتها أستانا بالتعاون مع تركيا وإيران «حالت دون تقسيم سوريا»، ومهدت لمرحلة الحل السياسي، مشيراً إلى أنه وجّه «تعليمات لوزارتَي الخارجية والدفاع وغيرهما من المؤسسات المعنية، لترتيب موعد وهيكلة مؤتمر (الحوار الوطني) الذي سيعقد في سوتشي أيضاً»، من دون أن يحدد موعداً. وأضاف أنه بُحثَت «ملفات إعادة إعمار سوريا، من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية».
وكذلك أثنى الرئيس الإيراني حسن روحاني، على أهمية لقاء سوتشي في تحقيق الاستقرار بما يتيح إجراء «انتخابات حرة في سوريا على أساس دستور جديد»، مشدداً في الوقت نفسه على «عدم وجود ذريعة لوجود أية قوات أجنبية في سوريا من دون موافقة الحكومة الشرعية هناك».
ومن المقرر أن يجتمع خبراء من الدول الثلاث، للتوافق على التفاصيل التقنية الخاصة بموعد مؤتمر «الحوار الوطني» الذي جرى تبنيه في سوتشي، إلى جانب قائمة المدعوين المنتظرة، والتي قد تشهد حضوراً من أطراف معارضة سبق أن رفضت المؤتمر، إثر ضغوط تركية.
ومع اختتام أعمال القمة الثلاثية، كانت العاصمة السعودية الرياض، تشهد محادثات مكثفة بين منصات المعارضة المختلفة، لتشكيل وفد موحّد يضم تشكيلة جديدة من الوجوه المعارضة، على أن يمثّل تلك المنصات مجتمعة في محادثات جنيف.
وبرغم غياب «منصة موسكو» عن الحضور، اعتراضاً على «تعنت» أبدته أطراف معارضة حضرت الاجتماعات التحضيرية، خرج إلى الضوء وفد مبدئي جديد يمثّل مؤتمر «الرياض 2»، ويضم ممثلين عن «منصة موسكو»، من دون تأكيد رسمي لاعتمادها كورقة نهائية. وأبرز التغيرات التي طرأت على بنية الوفد، هو غياب «صقور» المعارضة الذين تصدروا جولات المحادثات الماضية، وانضمام «منصة القاهرة» رسمياً تحت جناح هذا الوفد، إلى جانب ممثلين عن الفصائل العسكرية.
وسجلت «منصة موسكو» اعتراضاً على البيان الذي خرج عن اجتماع الرياض، والذي قال إن «العملية الانتقالية لن تحدث من دون مغادرة بشار الأسد وزمرته عند بدئها». وأشار البيان إلى أن «هدف المؤتمر هو توحيد صفوف قوى الثورة والمعارضة، في رؤية مشتركة لحل سياسي، بناءً على أساس (جنيف 1 ــ 2012)، وقرارات مجلس الأمن».
وأضاف أن ذلك «يؤسس لمرحلة انتقالية تقود البلاد إلى نظام سياسي ديموقراطي تعددي مدني». وأكد المجتمعون «الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وإصلاحها، مع وجوب إعادة هيكلة مؤسساتها الأمنية والعسكرية وتشكيلها… وأكدوا أن مؤسسات الدولة السورية الشرعية، والتي يختارها الشعب السوري عبر انتخابات حرة ونزيهة، هي من سيكون لها حصراً حق حيازة السلاح واستخدامه»، منتقدين الدور الإيراني «في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وإحداث تغييرات ديموغرافية فيها».
ورأوا أن «هدف التسوية السياسية، هو تأسيس دولة ديموقراطية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية، ما يمكن السوريين من صياغة دستورهم دون تدخل، واختيار قياداتهم عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة يشارك فيها السوريون داخل البلاد وخارجها تحت إشراف الأمم المتحدة». ورأوا أن «المفاوضات المباشرة غير المشروطة تعني أن كافة المواضيع تُطرح وتناقش على طاولة المفاوضات، ولا يحق لأي طرف أن يضع شروطاً مسبقة»، موضحين أنه «لا تعتبر المطالبة بتنفيذ ما ورد في القرارات الدولية شروطاً مسبقة… بما فيها شكل الحكم ونظامه وصلاحيات سلطاته ومسؤوليه، وموقع رئاسة الجمهورية والحكومة وغيرها».
ويأتي إقحام «جنيف 1» كمرجعية للحل إلى جانب القرارت الأممية، مناقضاً لما جرى التوافق عليه بين واشنطن وموسكو، ولا سيما من ناحية «هيئة الحكم الانتقالية»، التي تلعب الدور الأبرز في تصور «جنيف 1». وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قد أكد في مطلع الاجتماع أن بلاده «ستوفر الدعم للمعارضة السورية للخروج من مؤتمر الرياض في صف واحد»، موضحاً خلال حضوره إلى جانب مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، أنه «لا حل لهذه الأزمة دون توافق سوري، وإجماع يحقق تطلعات الشعب وينهي ما عاناه، على أساس بيان (جنيف 1) وقرار مجلس الأمن 2254».
بدوره أشار دي ميستورا إلى أن جولة جنيف المقبلة ستناقش «الدستور الجديد وحكومة شاملة غير عنصرية بناءً على قرار مجلس الأمن».
صحيفة الأخبار اللبنانية