قمة طهران تدعو إردوغان إلى تحديد موقفه
تحاول إيران إعادة تعميق العلاقة بين أطراف “أستانا” في ظل المتغيرات التي تحدث في المنطقة، وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية في التحالفات الإقليمية والدولية، في الوقت الذي تراجع فيه تركيا مواقفها وسياستها الخارجية بعد عقد من المشروعات الفاشلة، وعودتها كالابن الضال لتتلو فعل الندامة أمام “إسرائيل” والسعودية والإمارات، طامحةً إلى استعادة العلاقة بالولايات المتحدة بعد الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها، ومحاولةً إعادة العلاقة بمصر وخطب ودها، والعودة إلى علاقات سادت قبل “الربيع العربي”.
تطمح أنقرة إلى تنسيق عربي، تركي، إسرائيلي، في التعامل مع الملفات الساخنة في المنطقة، وفي ذهنها أن إيران هي من سيدفع ثمن أي تحالف بين الأميركي والإسرائيلي والعربي.
التحوّل في السياسة ليس مستجداً في سلوك الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لكن، بين البراغماتية، أي المنفعة المصلحية، والهروب إلى الأمام فرق شاسع عندما يكون السياسي في أزمة مستحكمة، ولا يريد أن يبدو ضعيفاً أمام خصمه، فهو لا يلجأ إلى هذا القدر من التنازلات، بل يعمل لفكفكة الأزمة بما يوافق مصالحه والدخول في معادلة رابح-رابح.
إيران تحشى احتمالات ارتداد التحالفات الإقليمية المستجدة على حضورها في سوريا، لذلك فهي تحاول حماية مصالحها وتطلق المبادرة للالتفاف على أي إستراتيجية معادية، وتسعى بما تملكه من أدوات ووسائل أمنية وسياسية واقتصادية لحماية مصالحها التي تداخلت مع القوى الإقليمية الفاعلة الأخرى، في سوريا والعراق واليمن.
فوجئت تركيا بالمبادرة الإيرانية، التي حدثت فجأة بعد زيارة عبد اللهيان لدمشق، والتحرّك من أجل منع إشعال أزمات جديدة في المنطقة بعد زيارة رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، التي أدت إلى تطبيع العلاقات والتنسيق الأمني بين تركيا و”إسرائيل”. تبنت موسكو، الشريك الثالث المبادرة الإيرانية، بعد أن كانت متهمة بمحاباة تركيا في مشروعها لإعداد عملية عسكرية في الشمال السوري، التي أعلنت أنها ستكون مختلفة عن سابقاتها، أي عن العمليات الثلاث التي قامت بها بصرف النظر من روسيا، لكنّ الواقع المتغير اليوم لا يسمح لتركيا، من وجهة نظر روسية، بتنفيذ هذه العملية “الخطرة “. لذلك يمكن اعتبار أن التحرّك الإيراني جرى بضوء أخضر روسي، بعدما كانت أنقرة تستعد لمواجهة في سوريا مع إيران وموسكو وسوريا متهمة حلفاء إيران بالتنسيق مع قسد.
وكانت إيران على لسان خطيب زاده قد رأت أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإنهاء الأزمة في سورية، إنطلاقاً من رؤيتها الإستراتيجية وسياساتها المبدئية، التي استخدمت فيها كل طاقتها لتحقيق السلام العادل على أساس حقائق البلاد.
ليست المرة الاولى التي تقوم فيها إيران بوساطة بين أنقرة ودمشق، إذ سبق أن حاول وزير الخارجية السابق جواد ظريف الدخول على خط الوساطة بين البلدين في نيسان/إبريل عام 2019، ثم كانت محاولة أخرى في شباط/ فبراير عام 2020، بهدف منع وقوع مزيد من المواجهات بين الطرفين في منطقة إدلب.
لكن هل يدرك الرئيس التركي أن إيران بمبادرتها تحاول ترتيب الوضع في سوريا بما يضمن مصلحتها، لأن فوز قوى المعارضة في تركيا- إن حدث ذلك- يعني اعتماد سياسة مغايرة في الملف السوري، وانفتاحاً وتعاوناً أكثر مع دمشق. إيران جادة في قولها على لسان المرشد: “أمن تركيا من أمن إيران”، وأنها “لا تُضمر سوى التمنّيات الطيبة للمنطقة، ولتركيا الصديقة والشقيقة
ماذا يريد الرئيس التركي؟
لا يمكن أن يضحي إردوغان، الذي بنى علاقات إستراتيجية بقوى سورية معارضة بهذا التحالف، بعد قرابة عقد من التنسيق والتعاون معها، وهي علة وجوده في الشمال السوري، وعبرها فرض نفوذه، إلا أن عدم تلقف العرض الإيراني يمكن أن يكون خطأ إستراتيجياً. لأن من مصلحة تركيا إردوغان فتح الأبواب مجدداً نحو دمشق لأسباب تركية داخلية وخارجية، ولا يمكنه الرهان على السعودية والإمارات للوقوف ضد إيران في سوريا والتحالف معه بهذا الصدد، لا سيما أن مصر لا ترى في إردوغان سوى محتل لأراضٍ عربية، وداعم لقوى إسلاموية وإرهابية، يجرى تجنيدها ونقلها من سوريا إلى ليبيا والصومال، وترى أنه يريد اقتطاع أراضٍ سورية ليقيم عليها إمارة إسلاموية لا “سنية “،في وجه سلطة “علَوية، “كما يحاول الترويج.
إردوغان الذي اعتقد أن بإمكانه فرض شروطه على الناتو، ظهر محبطاً بعد وعود بايدن في قمة العشرين بتسليح تركيا بطائرات الـ”أف 16 ” في مقابل موافقتها على دخول فنلندا والسويد الناتو. عندما علم بمصادقة مجلس النواب الأميركي في 14 تموز/يوليوعلى تعديل من شأنه أن يمنع الولايات المتحدة من بيع أو نقل الطائرات إلى تركيا، بما في ذلك ضمان عدم استخدامها في التحليق في أجواء اليونان، وفقاً لمشروع قانون تعديل (Pallone Pappas)الذي سمي تيمّناً باللوبي الأرمني واليوناني في مجلس النواب الأمريكي، الذي شدّد على عدم وجوب بيع طائرة الـ F-16 لتركيا إلا إذا كانت تضمن لليونان عدم انتهاك مجالها الجوي. وهذا يعني الطلب إلى تركيا الاعتراف بالمجال الجوي اليوناني الذي لا تعترف به منذ عقود، أي إن على تركيا وضع تعهّد بحقوقها السيادية من خلال الكونغرس الأميركي. إردوغان لا يستطيع الموافقة، فالأمر غير مرتبط به شخصياً ولا بسلطته، بل هو موضوع يعني تركيا وسيادتها.
لا شك في أن إردوغان أزعج روسيا في مدريد بموافقته على دخول الدول الإسكندنافية، لذلك يقول مدير ال”سي آي أي” أوليام بيرنز “إن الناتو تعافى بفضل أزمة أوكرانيا، وعضوية السويد وفنلندا أصبحت أقوى” .لذلك نحن قادمون إلى تركيا.”فيما لا يزال الرئيس رجب طيب إردوغان يهدد بإنه إذا لم يُلبَّ طلب تركيا مكافحة الإرهاب، وخصوصاً حزب العمال الكردستاني وفروعه، فقد لا يوافق على عضوية الدولتين الإسكندنافيتين اللتين لم يمنعهما من التقدم بطلب الحصول على العضوية.
أما زال إردوغان يعتقد أنه يستغل وجوده في الناتو ليحقق مآربه؟ وهل فعلاً ستوقف هذه الدول تعاملها مع القوى الكردية؟ هو يكيل الاتهامات لدول الشمال بأنها داعمة للإرهاب، ويهدّد وحدات الحماية في سوريا التي تحتمي بالوجود الأميركي الداعم لها على أساس محاربة داعش. يمكن أن تغض الولايات المتحدة الطرف عن تهديداته لأن أي عملية في الشمال السوري يمكن أن تؤدي إلى نسف منصة “أستانا” والعلاقات الروسية التركية والإيرانية فهل هذا ما يسعى له، وفي المقابل ما المكاسب التي يمكنه الحصول عليها؟
إيران وروسيا وقعتا في 19 تموز/يوليو، اتفاقية تعاون بقيمة 40 مليار دولار بين البلدين. في اليوم الذي التقى فيه الرئيس إردوغان نظيره الروسي بوتين وتحدّث إليه كضيف على الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. ستساعد غازبروم شركة النفط الوطنية الإيرانية في تطوير مناطق جديدة لإنتاج الغاز الطبيعي وهو اكبراستثمار أجنبي في الاقتصاد الإيراني. أما الدول الأوروبية فهي لا تجد مبررات تقولها لشعوبها في شأن تراجع الاقتصاد . فهل يبقى إردوغان اللاعب الوسط.
الميادين نت