قمم بايدن الثلاث ضجيج إعلامي بلا نتائج تكبح الغزو الروسي
أظهرت النتائج العملية المحدودة للاجتماعات المتتالية التي عقدها الرئيس الأميركي جو بايدن مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع، خيارات محدودة تمتلكها العواصم الغربية في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا رغم تحالفها الوثيق ضد موسكو.
ووصل بايدن الجمعة إلى مدينة جيشوف بجنوب شرق بولندا والتي تبعد قرابة 100 كيلومتر عن الحدود مع أوكرانيا للقاء جنود أميركيين يتمركزون في المنطقة ومنظمات غير حكومية تساعد اللاجئين الفارين من الأراضي الأوكرانية هربا من القصف الروسي.
وقبل زيارته المنطقة الحدودية بين بولندا وأوكرانيا كان الرئيس الأميركي قد نجح في إظهار حجم التضامن ووحدة الصف بين قادة الغرب في مواجهة أكبر تحد يمكن أن يرسم خارطة جيوسياسية جديدة، لكن عمليا تبدو القمم الثلاثة أضعف من حيث النتائج من أن تكبح الزحف العسكري الروسي إلى العاصمة الأوكرانية كييف أو توقف العملية العسكرية عند الحدّ الذي وصلت إليه في المرحلة الراهنة.
وأعلنت موسكو الجمعة أن المرحلة الأولى من العملية العسكرية التي تصفها بـ”الخاصة’ نجحت في تحقيق أهدافها معترفة بمقتل أكثر من 1351 من جنودها حتى الآن، بينما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي إن 18 ألف جندي روسي قتلوا منذ بداية الغزو وهو رقم يبدو مبالغ فيه بشكل كبير ويفتقد للمصداقية ويدخل في إطار الحرب الإعلامية.
وخلال لقائه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أكد بايدن أن “أهم ما ينبغي علينا القيام به في الغرب هو وحدة الصف”، محذرا من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “كان يراهن على انقسام” الحلف الأطلسي في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلفاء على تعزيز العقوبات على روسيا على خلفية هجومها العسكري.
لكن حديث بايدن يفتقد في جوانب منه لبعض الدقة، فالغزو الروسي لأوكرانيا أحدث شروخا في صلب التحالف الغربي بكل مكوناته ذلك أن الاتحاد الأوروبي منقسم بشدة حول خيار حظر النفط الروسي كما أن هناك قلق لدى الحلفاء الأوروبيين من قدرة الولايات المتحدة على توفير ما يكفي دول الاتحاد من إمدادات الغاز حتى الشتاء القادم. وطالب التكتل الأوروبي واشنطن بتقديم ضمانات. وحذّرت ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في الاتحاد شركاءها الأوروبيين من الاستعداد لتداعيات خطيرة في حال المضي في خيار حظر امدادات النفط والغاز من روسيا في وقت لا يملكون فيه بدائل.
وقال بايدن إن بوتين “يفضل مواجهة 30 دولة مستقلة على مواجهة 30 دولة موحدة”، متعهدا بالسعي “لوحدة تامة وكاملة بين الديمقراطيات الكبرى”.
وحتى الآن وبمعزل عن الدعم الخطابي لحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإن الوحدة الغربية تجلت من خلال سياسة فرض العقوبات.
وفرضت كل من واشنطن ولندن وبروكسل عقوبات اقتصادية على روسيا وسارعت في نفس الوقت إلى إرسال شحنات من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات إلى المدافعين عن أوكرانيا.
غير أن الدول الأوروبية الكبرى لم تتخذ إجراءات تستهدف إمدادات الغاز الروسي خشية تداعيات على أمن الطاقة لديها. ورغم الصورة اللافتة للقادة في الاجتماعات الثلاثية في بروكسل، لم يعلن أي قرار جديد يذكر بشأن تدابير جريئة.
وفي أي حال فإن القيود المالية غير المسبوقة التي فرضت على موسكو لم تنجح في ردع بوتين عن قصف مدن أوكرانية. وردا على سؤال أحد الصحافيين بشأن هذا الواقع لم يخف بايدن استياءه.
وقال “لنصوب الأمر”، مضيفا “تذكرون، إن كنتم تتابعونني منذ البدء، أنني لم أقل في الحقيقة أن العقوبات ستردعه. العقوبات لا تردع. تستمرون في الحديث عن هذا الأمر”.
وأوضح أن العقوبات التي أعلنها قادة الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي لم تهدف للتصدي للغزو الروسي إنما لـ”زيادة المعاناة” على نظام بوتين، مضيفا “طلبت عقد اجتماع الناتو اليوم للتأكد من أننا بعد شهر سنواصل ما نفعله”.
وتابع “ليس فقط الشهر القادم والشهر الذي يليه لكن للفترة المتبقية من هذا العام. هذا ما سوف يوقف” بوتين. وعكَس البيان المشترك الصادر عن بايدن و27 من القادة الأوروبيين هذا التصميم المشترك.
وقال إن القادة “قاموا بمراجعة جهودهم المتواصلة لفرض تكلفة اقتصادية على روسيا وبيلاروس، واستعدادهم لتبني تدابير إضافية ووقف أي محاولات للالتفاف على العقوبات”.
وأكد مسؤول في البيت الأبيض أن القادة عبروا عن “استمرار دعمهم للعقوبات والمساعدات الإنسانية، مع رسالة قوية تعبر عن الوحدة بين ضفتي الأطلسي والحاجة لمواصلة النهج”، مضيفا أن “الرئيس بايدن عقد لقاء وديا مع قادة الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع المجلس الليلة وصافح كل زعيم تقريبا في الغرفة وتحدث لفترات أطول مع العديد منهم”.
لكن بعد شهر على هجوم بوتين الذي وصفه بايدن بـ”مجرم حرب”، لم تصدر تعهدات لافتة بفرض إجراءات أكثر تشددا، في حين دعا زيلينسكي القادة الأوروبيين لوقف واردات النفط والغاز من روسيا، التي تمول جهود الحرب بمئات ملايين الدولارات يوميا.
غير أن مسؤولين أميركيين يقرون بأنه فيما أن الولايات المتحدة دولة مصدرة للطاقة ويمكنها تحمل وقف الواردات الروسية، فإن العديد من الحلفاء الأوروبيين يعتمدون على الغاز الروسي لتوليد الكهرباء.
وتركز النقاش العملي في بروكسل بشكل أكبر على الحؤول دون أن تتمكن موسكو من إيجاد طريقة للالتفاف على العقوبات السابقة، كالعمل مثلا على منعها من استخدام احتياطها من الذهب. وتعهدت بعض الدول، ومن بينها كندا، تكثيف شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا.
ولكن هنا أيضا فإن الغرب مقيد بضرورة عدم انجرار دول الناتو إلى الصراع كـ”طرف متحارب”، على حد قول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
واتفقوا في المقابل على نشر المزيد من المجموعات القتالية للحلف في دول بشرق أوروبا، للحؤول دون تمدد الحرب خارج أوكرانيا، من دون التدخل في النزاع في الداخل.
ووعد بايدن أيضا بأن يكون لواشنطن “رد” في حال نشرت روسيا أسلحة كيميائية أو بيولوجية دون الكشف عن تفاصيل ذلك.
وخاضت الدول الغربية وأوكرانيا كثيرا في هذا الأمر واتهموا روسيا باستخدام قنابل فسفورية، محذرين في الوقت ذاته من أن الجيش الروسي قد يستخدم أسلحة كيماوية وبيولوجية وهو أمر نفته روسيا بشدّة.
والتركيز على هذا السيناريو يُفسّر في جانب كبير منه بمحاولة الدول الغربية ترسيخ فكرة أن الروس يخططون لاستخدام أسلحة كيماوية من دون استبعاد ما أسمته فرضية لجوء بوتين لـ”الحرب القذرة”.
وأكد مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك ساليفان من الطائرة الرئاسية الأميركية الجمعة، أن الولايات المتحدة “لا تنوي استخدام أسلحة كيميائية تحت أي ظرف”، أي حتى لو استخدمتها روسيا في أوكرانيا.
وخلال تبادل مع الصحافة، حذّر ساليفان من أن موسكو ستدفع “ثمنا باهظا جدا” في حال استخدام أسلحة كيميائية، مشيرا إلى تصريحات للرئيس جو بايدن الذي تعهد في اليوم السابق “برد” إذا حصل هذا السيناريو من دون توضيح “طبيعة” هذا الرد.