قنابل الرماديين الموقوتة
قنابل الرماديين الموقوتة..هم دائما هناك ، وهنا ، في الخلف وفي الأمام ، والأعلى والأسفل ساعون لتجنب خسارة مظنونة ، مع أنها أحيانا ـ هذه الخسارة ـ سلم إلى مكسب محتمل أو مظنون، ومتعطشون غالبا لأن يربحوا كل شيء ، مع استحالة هذه الكلية في كل وقت ، لذا تراهم حراصا على إمساك العصا ، كما يقال ، من منتصفها ؛ فلا انحيازات ذاتية إلى رأي ، ولا تحديد لموقف، ولاسبيل لحركتهم المجتمعية إلا بحيادية صخرية بعيدا عن أية تفاعلات إنسانية مأمولة .
إنهم أصحاب الرماد ، المنتظرون دائما نتائج المباريات ، ونهايات المعارك ، لايستطيع أحد ـ مهما جد في اجتهاده ـ أن يتبين لهم ملامح ؛ فـ ( الميك أب) الفكري يجعلهم لايفضلون سوى( اللالون) ، أو لون محايد على أقصى تقديرات رسامي الوجوه ، يتجنبون الأسود الذي ربما يدفع الآخرين للبعد عنهم خشية الكآبة ، ويخاصمون الأبيض الذي إن استبد بوجوههم تكشفهم المرايا الاجتماعية وتسطع على لوامعها حقيقتهم التي يجاهدون في سترها بلون المنتصف المحايد .
تقول لهم رأيا في قضية ما فتواجه بإقرارهم لك عليه ، وتتبنى نقيضا لهذا الرأي فتواجه بالإقرار أيضا ، ولعل في التاريخ ما يكشف هذا التوجه في المواقف من قرارات قادة سياسيين اتخذوا اتجاها ما من قضية ، فلايكون من هؤلاء الرماديين إلا التصفيق ، فإذا ماتراجع القائد إلى الضفة المقابلة من اتجاهه، والذي ربما يكون العكس تماما وفي التواريخ أمثلة صارخة ، تجد التصفيق ذاته
إن هؤلاء الرماديين أشبه بلاعبي السيرك الذين يظنون أن قواعد اللعبة تفرض عليهم البقاء على الحبال لأطول فترة ممكنة طامعين في تصفيق الجمهور ، واستحسانه المهارة في الثبات ، متجاهلين أن الجمهور لايصفق غالبا إلا عند انحياز اللاعب يمينا أو يسار عن طرفي الحبل ، مايهدد بسقوطه أو يوحي بذلك ، ثم تفلح مهارته في استعادة التوازن بمهارة تبدو أجلى من مهارة ذلك الذي يسير على الحبل وكأنه مدفوع بقوى ميكانيكية لادخل لمهارته فيها فيبدو وكأنه لايتحرك .
ترى هؤلاء الحريصين على النجاة الشخصية بالحياد الصخري ، في النوادي والمدارس في الشوارع والبيوت ، في أجهزة الإعلام ، والمجالس النيابية والأحزاب ، وهم كالآنية الفارغة التي يستطيع الأقوى أو الأعلى او الأغني أو الأشرس والأخبث غالبا تعبئتهم بما يريد ، فهم قنابل موقوتة يمكن أن تستغل في تدمير المجتمعات ، وإشعال الاضطرابات ، وتهديم الدول وإسقاط الأنظمة ، لا لأنهم أصحاب رؤى ، ومواقف ، ولكنهم لأنهم بحرصهم على هذا الحياد هدف كل مخرب ، في تعبئتهم بما يريده هو ، وما تفرضه أجندته الخاصة، وليس ببعيد ماكان من دفع فئات عديدة شعوبنا العربية إلى أن تكون وقودا للنار التي أشعلتها قوى خارجية فيما سمي بثورات الربيع العربي ، وماخلفته من خسائر على أصعدة عدة.
الحياد مع العدو ليس تعقلا أو تجنبا للخسارة أو انتظارا انتيجة مباراة كشأن بني رماد ، إنما هو السبيل الأقرب إليها ، لأنه هو الخيانة عينها ومن يقف بين وطنه وعدو هذا الوطن بأية تبريرات للحرص على النجاة الشخصية مورد نفسه وأهله ووطنه إلى التهلكة ، فالحذر كل الحذر من قنابل الرماديين .