قنبلة «الفدرالية السورية»: لماذا ألقاها الروس؟

الحديث الروسي عن خيار «الجمهورية الفدرالية» في سوريا، سيثير عاصفة من التساؤلات في ركود أيام الهدنة. أسئلة حائرة عن المضمون والمغزى والتوقيت، وهل كلام نائب وزير الخارجية الروسي كان مجرد تحليل شخصي، أم أنه رسالة مقصودة وُجّهت الآن في المرحلة الفاصلة ما بين بداية الهدنة، واستئناف المفاوضات السورية في السابع من آذار الحالي؟

ومن شأن القنبلة الروسية التي جاءت في سياق اقتراح، ومرهونة بعدم فرضها من على بعد «آلاف الكيلومترات» كما قال الديبوماسي الروسي سيرغي ريابكوف، أن تثير حيرة كثيرين عما اذا كانت مرتطبة بالكلام الأميركي المتكرر حول «الخطة باء» في حال فشل التسوية السياسية الحالية، والتي سارع السعوديون الى تبنيها، من دون أن يعرف أحد مضمونها، ام أنها محاولة من نائب وزير الخارجية الروسي الى فتح الأبواب أمام الاقتراحات الممكنة للنقاش السوري، ما دامت الاطراف السورية دخلت مرحلة التفاوض وان كان متعثر البدايات؟

ويمكن لكثيرين القول إن الفكرة الروسية ليست أكثر من محاولة من موسكو التي لا يمر يوم من دون أن تتبادل الاتهامات القاسية مع حكم رجب طيب اردوغان، وآخرها اتهامه بتسهيل عبور مقاتلي «داعش» لاختراق مدينة تل ابيض في الشمال السوري، انما تحاول إثارة الخصم التركي الذي هدد مئات المرات خلال الاسابيع القليلة الماضية وحدها، بأنه لن يسمح للشريط الكردي بأن يمتد أمامه في الشمال السوري، بالحديث عن مكوّنات «فدرالية»، سيكون للأكراد السوريين حصة فيها.

واذا كان من السابق لأوانه الاستنتاج أن نائب سيرغي لافروف، يتحدث هنا عن «فدرالية سورية» على أسس عرقية وطائفية، ام عن «فدرالية» إدارية، إلا انه كان واضحا عندما أشار الى ان أحداً لا يتوقع تطور الأحداث السورية الى «سيناريو كوسوفو»، وهو موقف يعني بوضوح استبعاده التفكيك الدولي الذي لحق بجمهورية يوغوسلافيا في تسعينيات القرن الماضي. كما انه من الضروري الاشارة الى ان المسؤول الروسي تناول الفكرة في سياق حديث أشار فيه ايضا الى ان المفاوضين السوريين قد يعتمدون «نموذجاً آخر.. ولن تكون تلك قضيتنا».

ومهما يكن، فإن مجرد رمي فكرة «الجمهورية الفدرالية» وفي هذا التوقيت السوري، والاقليمي، والكل يرى ما جرى ويجري في العراق، يثير الكثير من الهواجس لا في سوريا وحدها، وانما في لبنان والاردن والعراق وغيرها، ذلك أن تطوراً كهذا، إن صحت الاستنتاجات بشأنه، لن تكون تداعياته على السوريين وحدهم، وقد تكون نيرانه لو قدر له أن يقام بما لا ترتضيه إرادات شعوب المنطقة وحكوماتها، عابرة للحدود.

وبكل الأحوال، لا بد من انتظار مسارات التفاوض السورية المرتبطة بجزء منها، في ما لو قدر لها الاستمرار، بعملية إعداد دستور جديد وانتخابات تعيد تشكيل الحياة السياسية في سوريا وفق الروزنامة التي تبناها الروس والاميركيون ووافقت عليها دمشق بذهابها الى «جنيف 3». كما ان من الضروري الالتفات الى المواقف التي قد تصدر عن دمشق تعليقا على الكلام الروسي، خصوصا ان العديد من المراقبين رصدوا إشارات تباين سياسي، خصوصا في الاسبوعين الاخيرين حول مستقبل الخيارات السياسية للأزمة السورية.

وعلى الرغم من إعلان وزارة الخارجية السورية أمس رفضها الكلام السعودي عن وجود «الخطة باء»، فإنه من الضروري الانتباه ايضا الى المواقف التي قد تصدر عن عواصم اخرى كطهران وأنقرة بشأن فكرة «الفدرالية»، والالتفات الى الاشارات التركية التي قد تصدر للتعبير عن ضيق الخيارات أمام اردوغان بعد الاقتحام الروسي والاميركي للمشهد السوري في اطار التسوية وسقوط رهاناته العسكرية وصولا الآن الى الهدنة التي تجري مراقبتها من مراكز روسية واميركية، ثم دوي قنبلة «الفدرالية»، وخصوصا التي قد ينالها الاكراد، بما يعنيه ذلك من تزايد النعرات الانفصالية داخل تركيا ذاتها. فهل تكون ورقة «الفدرالية» فاعلة في كبح الجموح التركي، و «عقلنة» خيارات اردوغان، تدفعه ربما الى إعادة التموضع، ومراجعة خياراته في الموقف من دمشق؟

وكان وزير الخارجية الاميركي جون كيري قد تحدث مؤخرا عن احتمال الوصول الى مرحلة تلاشي امكانية بقاء سوريا كدولة موحدة، ثم تناول بعدها الكلام عن «الخطة باء» خلال الشهور المقبلة اذا لم تثمر العملية السياسية، من دون ان يشير الى طبيعتها. ثم عادت الخارجية الاميركية لتقول ان الخطة التي اشار اليها كيري لا تتعلق بخيار العمل العسكري البري الذي كثر الحديث عنه وقتها من جانب السعوديين والأتراك، بل ترتبط بخطوات وضغوط ديبلوماسية. ثم عادت الخارجية الاميركية لتتحدث أمس عن ان الحديث عن خطة بديلة في سوريا في بدايته ولم يجر التوصل إلى قرار نهائي بشأن تفاصيلها.

وفي كل الأحوال، ليس واضحا ما اذا كان هناك ارتباط بين ما يسمى «الخطة باء» والكلام الروسي عن «الفدرالية». وهناك بالتأكيد من سيربط بين الامرين، خصوصا ان الطرفين الاميركي والروسي أظهرا قدراً عالياً من التفاهم والتواصل في انخراطهما في التعامل مع ملف الحرب السورية خلال الشهور الاخيرة، اكبر بكثير مما كان يتصوره المتفائلون. الايام المقبلة قد تحمل العديد من الاجابات على كل ذلك.

وكان ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، قد أعلن في مؤتمر صحافي في موسكو، أن بلاده تؤيد ما يتوصل إليه المشاركون في المفاوضات السورية، بما في ذلك فكرة إنشاء جمهورية فدرالية. وبرغم استبعاد ريابكوف تطور الأحداث في سوريا وفق «سيناريو كوسوفو»، فإنه شدد على «ضرورة وضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سوريا في المستقبل، تعتمد على الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، بما في ذلك إمكانية إنشاء جمهورية فدرالية، خلال المفاوضات السورية ـ السورية». وتساءل «إذا تم تشكيل معايير الهيكلة بهذه الصورة، فمن سيعترض على ذلك، وفي حال اعتماد نموذج آخر فلن تكون تلك قضيتنا، شرط ألا يكون مفروضاً من على بعد آلاف الكيلومترات من سوريا، وفي حال التوصل إليه عن طريق المحادثات».

وكرر ريابكوف انتقاد تركيا، التي قصفت مدفعيتها لليوم الثاني على التوالي، مناطق في تل ابيض، التي يشن تنظيم «داعش» هجوماً عليها. واعتبر أن تصرفات تركيا بمثابة قنبلة موقوتة تحت طاولة الهدنة في سوريا. وقال «الأتراك لم يتراجعوا عن فكرة توجيه ضربات عبر الحدود، وفكرة إنشاء مناطق ما على طول الحدود التركية في الأراضي السورية. وهنا يكمن الوضع الخطير، إذا نظرنا إلى تصرفات أنقرة المحتملة».

تنسيق أميركي – روسي

وسبق اجتماع لجنة الهدنة السورية في جنيف، اتصال بين لافروف وكيري امس الاول، تمحور حول التطورات في سوريا بعد إعلان وقف إطلاق النار. وأشارت الخارجية الروسية إلى أن الوزيرين تبادلا تقييماتهما لكيفية تطبيق وقف الأعمال القتالية، وإلى أهمية التنسيق العسكري الوثيق بين موسكو وواشنطن في الشأن السوري. وشدد الوزيران على عدم قبول ضخ تقارير إعلامية استفزازية حول الخروقات المزعومة لوقف إطلاق النار في البلاد.

واجتمعت مجموعة الدول التي تدعم عملية السلام في سوريا في جنيف، وسط شكاوى متبادلة من انتهاك وقف الأعمال العدائية، بينما طلبت فرنسا معلومات عن تقارير أفادت باستمرار الهجمات على مواقع مقاتلي «المعارضة المعتدلة».

وأعلن المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك أن مسؤولين من وزارة الدفاع الاميركية أجروا محادثات عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مع نظرائهم الروس، في إطار سلسلة المناقشات الهادفة الى تجنب وقوع أية حوادث عسكرية بين البلدين في سوريا. وقال ان «الجانبين ناقشا الإجراءات لتعزيز سلامة العمليات، بما في ذلك طرق تجنب الحوادث والمواجهات غير المقصودة بين قوات التحالف والقوات الروسية في أي وقت يقوم فيه الطرفان بعمليات في المكان نفسه تقريبا». وأضاف «بالتأكيد لا وقف للأعمال العدائية» ضد «داعش».

وأشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في بيان، إلى «انخفاض حصيلة القتلى في المناطق الخارجة عن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا انخفاضاً ملحوظاً، منذ بدء تطبيق وقف الأعمال العدائية». وأحصى «المرصد» «مقتل 20 شخصاً من مدنيين وجنود ومقاتلين السبت، في اليوم الأول لبدء سريان الهدنة، مقابل مقتل 20 الأحد»، مشيراً إلى «مقتل 144 شخصا الجمعة».

وأعلن رئيس المركز الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سوريا سيرغي كورالينكو أن «ضباط المركز الروسي وممثلي القوات الحكومية السورية ووحدات الحماية الشعبية سجلوا 7 حالات لخرق الهدنة، بما فيها اعتداء مسلحي جبهة النصرة على المقاتلين الأكراد في محيط بلدة الأشرفية في ريف حلب، وذلك باستخدام نيران المدفعية، ومواصلة عناصر داعش قصف الطريق الرابط بين مدينتي حماه وحلب في منطقة خناصر – رسم النفل».

لكن واشنطن والأمم المتحدة رمتا بثقلهما خلف الهدنة. وأعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست أن «الإدارة الأميركية توقعت أن تكون هناك تقارير عن حدوث انتهاكات، وأننا سنواجه بعض المعوقات على طريق تطبيق (الاتفاق) بنجاح»، لكنه شدد على أن البيت الأبيض «لا يزال ملتزماً بهذه العملية».

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن وقف إطلاق النار «صامد عموما». وقال، بعد اجتماعه مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في جنيف، «يمكنني القول إن وقف الأعمال العدائية صامد عموماً، رغم أننا سجلنا بعض الحوادث»، مضيفا أن مجموعة العمل حول الهدنة في سوريا «تحاول الآن العمل على عدم اتساع نطاق هذه الأمور واستمرار وقف الأعمال العدائية».

وقال ديبلوماسي غربي إن دي ميستورا يقول إن عدد الضربات الجوية انخفض من 100 إلى نحو ما بين 6 و8 في اليوم، وبالتالي كان لا بد من أن تكون هناك رؤية للموقف. وأضاف «نحتاج إلى الحصول على تفسير من الروس عن الضربات التي حدثت يوم الأحد».

وأعلن مستشار وزير الدفاع السعودي العميد احمد عسيري، في مقابلة مع وكالة «رويترز»، أن التحالف، بقيادة أميركا، بحث قبل أسبوعين إمكانية التوغل برياً في سوريا لكن لم يتخذ قرار بعد. وقال عسيري «لقد نوقش الأمر قبل نحو أسبوعين في بروكسل. نوقش على المستوى السياسي، لكن لم تتم مناقشته كمهمة عسكرية. بمجرد تنظيم هذا، واتخاذ قرار بشأن عدد القوات وكيف سيتم إرسالها وإلى أين سيتم إرسالها سنشارك في ذلك». وأضاف «ينبغي أن ندرس الأمر على المستوى العسكري باستفاضة مع الخبراء العسكريين لضمان أن تكون لدينا خطة».

وأشار عسيري إلى أن السعودية مستعدة الآن لقصف تنظيم «داعش» من قاعدة إنجيرليك التركية، حيث وصلت أربع مقاتلات سعودية الأسبوع الماضي.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى