قوات تركيا تحت النار مجدداً: لا «هدنة» في «جيب إدلب»
خلال ثلاثة أيام فقط، استُهدفت نقاط المراقبة التركية في «جيب إدلب» مرّتين، بقذائف صاروخية، في ظلّ «هدنة» مفترضة أعلن عنها الجانب الروسي، وتنصّلت منها أنقرة والفصائل العاملة تحت لوائها. الاستهداف الأول للنقطة العاشرة في جبل شحشبو، تلاه تهديد ووعيد تركي بالردّ، ولكن ذلك لم يمنع تكرار القصف على نقطة مراقبة أخرى، بالطريقة نفسها. وقالت وزارة الدفاع التركية، أمس، إن «نقطة المراقبة التاسعة»، الواقعة في محيط بلدة مورك في ريف حماة الشمالي، تعرّضت لقصف بقذائف هاون، من منطقة تسيطر عليها القوات الحكومية السورية، نافية وقوع خسائر في صفوف قواتها. ووفق البيان، فإن المنطقة التي تم تنفيذ القصف منها، هي تل بزام المتاخم لخطوط التماس، والواقع وسط مثلث مورك ــ صوران ــ معان. وأكدت الوزارة التركية أن قواتها «ردّت فوراً بالأسلحة الثقيلة»، وقدّمت احتجاجاً إلى الجانب الروسي على هذا «الهجوم المتعمّد».
وكما في المرة السابقة، خرج وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، ليقول إن بلاده «لن تتسامح مع مضايقة النظام السوري لجنودها»، وإنها «ستوقفهم (القوات الحكومية السورية) عند حدّهم». وأكد جاويش أوغلو أن «العدوان الأخير يتعارض مع اتفاق إدلب… والجانبان الإيراني والروسي مسؤولان عن لجم النظام، باعتبارهما ضامنين». اللافت هذه المرّة، كان غياب بيان من وزارة الدفاع الروسية ينفي (أو يؤكد) الرواية التركية، على غرار ما جرى بعد الحادثة السابقة، فيما لم يخرج أي تعليق رسمي من جانب دمشق في هذا الشأن، وفق المتوقع. كذلك تكشف معلومات ميدانية أن القصف طاول النقطة بعد أقل من 24 ساعة على وصول تعزيزات تركية جديدة إليها، ضمن خطّة تركية شملت كل نقاط المراقبة في جيب إدلب، وتسارع تنفيذها منذ بدء جولة المعارك الأخيرة.
التطور اللافت، أي تكرار استهداف القوات التركية، ترافق مع انفلات التصعيد بشكل ينعى الهدنة المفترضة. فلا القذائف التي تطلقها الفصائل المسلّحة توقفت، وكان آخرها تلك التي استهدفت بلدتَي الوضيحي و الحاضر في ريف حلب الجنوبي بعشرات القذائف ليل أمس، ما أسفر عن استشهاد عشرة وإصابة آخرين بجروح. ولا استهداف الجيش المدفعي والجوي لمواقع داخل «جيب إدلب» تقلّص. كما لم تغب الاشتباكات على خطوط التماس عن أجواء هذه «الهدنة»؛ إذ شهد أول من أمس معركة عنيفة على محور تل ملح والجبين في ريف حماة الشمالي، إثر هجوم للجيش على نقاط الفصائل في البلدتين. وعلى رغم دخول وحدات الجيش إلى النقطتين خلال موجة الهجوم الأولى، إلا أنها لم تتمكن من التثبيت هناك، ما اضطرها إلى الانسحاب خلال وقت قصير، لتعود خريطة السيطرة إلى ما كانت عليه قبل انطلاق المعركة.
خرق التهدئة من جهة، واستهداف النقاط التركية من جهة أخرى، يعكسان الجو السلبي الذي يشوب العلاقة الروسية ـــ التركية في شأن إدلب، برغم التواصل المستمر بين الطرفين. ولا يمكن عزل ما يجري على الأرض عن التصريحات التي خرجت من موسكو أخيراً، وتحديداً على لسان الرئيس فلاديمير بوتين، والتي تؤكد استمرار دعم الجانب السوري في حربه ضد الإرهاب، بما يشمل إنهاء التنظيمات الإرهابية في إدلب ومحيطها. كذلك، بدا الافتراق واضحاً في المواقف، عبر تقاذف الطرفين المسؤولية عن إيقاف التصعيد، وتطبيق «اتفاق سوتشي». ولا يمكن إغفال تحييد الأضواء عن «المسار السياسي» المتمثل بملف «اللجنة الدستورية» خلال الفترة الماضية، لكونه يرتبط بشكل عضويّ بعلاقة موسكو ــــ أنقرة في شأن إدلب، وهو ما سيكون حاضراً بقوّة على طاولة محادثات «أستانا» المقبلة.
صحيفة الأخبار اللبنانية