تحليلات سياسيةسلايد

قوات سوريا الديمقراطية… ضحية متطلّبات المرحلة

وسام إسماعيل

يفترض قراءة التجربة الكردية التي تمثّلها “قسد” في سوريا على أنها تعبّر عن الواقع المعقّد للقضية السورية التي بدأت إرهاصاتها مع التحرّكات التي هدفت إلى إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد عام 2011.

 

في الوقت الذي تخوض فيه قوات سوريا الديمقراطية مواجهات عنيفة ضدّ الفصائل السورية المدعومة من تركيا، التقى جناحها السياسي المعروف بـ “مسد” مع الإدارة الجديدة في دمشق بقيادة أحمد الشرع (الجولاني)، وتمّ الاتفاق على رفع العلم الأخضر في المناطق التي تسيطر عليها بما يفتح المجال لطرح العديد من التساؤلات حول واقع التحوّلات التي ترخي بظلالها على المشهد السوري. فالواقع الذي ينطلق منه أحمد الشرع في مقاربة القضية الكردية، بما يمكن تعريفه على أنه اعتراف بالدور الذي تمثّله “قسد” وبالواقع الذي يربطها بالتوجّه الأميركي بات يظهر تناقضاً واضحاً مع التوجّه التركي المُصِرّ على التعامل مع الوجود الكردي على أنه ذو تأثيرات سلبية تفترض ضرورة وأده والتخلّص منه.

في هذا الإطار، يفترض قراءة التجربة الكردية التي تمثّلها “قسد” في سوريا على أنها تعبّر عن الواقع المعقّد للقضية السورية التي بدأت إرهاصاتها مع التحرّكات التي هدفت إلى إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد عام 2011.

ففي تلك المرحلة ظهرت “قسد” ككيان سياسي مكتمل الأركان نتيجة توجّه الولايات المتحدة لفرض هيمنتها على جزء من الأراضي السورية، أي ما يعرف بشرق الفرات، بعدما تيقّنت من إصرار حلفاء النظام في تلك المرحلة على عدم التسليم بإسقاطه. وعليه، تزامن ظهور “قسد” كحركة نشطة وفاعلة بالتوازي مع تزايد أعداد القوات الأميركية في سوريا عام 2015 بحجّة مواجهة “داعش” بحيث باتت في وجودها ومشروعها عنصراً ملازماً يوازي في أهميته أهمّ الأدوات، أي القواعد الأميركية، التي ترتكز عليها الاستراتيجية الأميركية والتي تتخطّى في عناوينها العريضة مجرّد محاربة تنظيم “داعش” الذي تمدّد في العراق وسوريا تحت رعايتها، إذ تستهدف ترتيب الواقع الإقليمي من حيث منع وجود أيّ منافس لها في المنطقة بالإضافة إلى ضمان تفوّق الكيان الإسرائيلي في محيطه الإقليمي.

في هذا السياق، يمكن اعتبار مخطّط تفتيت دول المنطقة من أهم العوامل اللازمة من أجل ضمان المصالح الأميركية السابق ذكرها، وبالتالي يفرض العامل الكردي نفسه في هذه الاستراتيجية كمدخل يستهدف تحقيق أكثر من هدف في هذا الإطار. فالواقع الكردي المنتشر بين دول أربع تشكّل في حيثيّاتها أهمّ ما يمكن أن يؤثّر بفاعليّة في متغيّرات موازين القوى الإقليمية.

وبالاستناد إلى البوتقة الكردية التي تستهوي كلّ الكرد رغم مساحات الخلاف الشاسعة بين أطيافهم، كان التوجّه الأميركي حاسماً لناحية حماية تكتلاتهم ومحاولة فرضهم كعامل أساسي في التوازنات الداخلية للبلدان التي يشكّلون جزءاً منها، حيث إنّ دعم تميُّزهم، وصولاً إلى حصولهم على إدارة مستقلة تحت سقف مركزية الدولة سيشكّل الخيار الأول إلى حين تبلور شروط ضرورة انفصالهم.

وبالتالي، ظهر الواقع في سوريا مناسباً للانتقال إلى مرحلة دعم الانفصال، بحكم الأمر الواقع على الأقلّ، ليؤسّس لمرحلة باتت فيها “قسد” عنواناً أساسياً لمشروع انفصاليّ ذي توجّه يتخطّى في مضمونه مجرّد حصول أقلّية معيّنة على حقّها في تقرير المصير ليحقّق أهدافاً تتعلّق بالتفتيت من ناحية، وبإثارة ما يشغل بعض القوى الإقليمية، خصوصاً تركيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية، عن طموحها وتوسيع مجالها الحيوي من ناحية ثانية.

وإذا كان هذا المخطّط قد تناسب واقعياً مع الظروف التي حكمت الإقليم قبل انهيار النظام في سوريا، لناحية اعتباره أفضل ما يمكن في ظلّ الواقع الذي كان سائداً، فإنّ الانهيار المفاجئ للنظام السوري والجيش قد غيّر في ما يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تحقّقه، حيث شكَّل هذا الانهيار عنواناً لتراجع إيراني في سوريا والتزاماً تركياً بحدود الدور والمهمة المرسومة لها في دوائر القرار الأميركية. فعلى الرغم من الوضوح الشكلي للصورة التي تمّ تظهير تحريك هيئة تحرير الشام باتجاه العاصمة دمشق وإصرار الإدارة التركية على مواكبتها بعدد من التصريحات التي تولّاها الرئيس التركي إردوغان ووزير خارجيته والتي أوحت بتحكّمها بمسار هذا التحرّك، جاءت الأحداث اللاحقة لتظهر أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي المتحكّم الأول في حقيقة المشهد.

وعليه، لن تعود الصورة التي يسعى الجانب التركي إلى تكريسها في الشمال السوري واقعية، حيث تخلّت هيئة تحرير الشام عن الالتحاق بقتال “قسد” إلى جانب الجيش الوطني المدعوم من تركيا والفصائل الأخرى الملحقة به، بالتوازي مع دعوة الولايات المتحدة لاندماج “قسد” في الجيش السوري.

في هذا الإطار، يطرح السؤال حول حقيقة الموقف الأميركي من “قسد”، وبالتالي الموقف من سوريا، إذ إنّ دعوة الولايات المتحدة لاندماج “قسد” في الجيش السوري قد تُفقد الأخيرة من حيث الشكل قوة التأثير التي أرادتها الولايات المتحدة في إطار مشروعها التقسيمي الكبير للمنطقة. وإذا كان الأمر على هذه الشاكلة، فإنّ ذلك سيستدعى قبولاً أميركياً بالتوجّه التركي لإزالتها من الشمال السوري.

بالطبع لا يمكن اعتبار هذا السيناريو واقعياً إذ إن ما يظهر على الساحة السورية لناحية إعلان الولايات المتحدة عن استحالة انسحاب قواتها من الشرق السوري وما يعنيه الأمر من حماية مطلقة للقوات الكردية الموجودة في تلك المنطقة أو على الأقل المحافظة على ما يشكّله هذا المشروع، وكذلك لناحية التحرّك الإسرائيلي الذي فرض بنفسه حدود القوة المسموح بها للإدارة الجديدة من خلال توغّله إلى حدود العاصمة وتدميره لمقدّرات الدولة العسكرية، أي بما يعني الحؤول دون السماح للإدارة الجديدة بفرض سلطتها على كامل الأراضي السورية.

في مكان آخر، تفرض الإشارات الإيجابية المتكرّرة التي يطلقها أحمد الشرع الجولاني، من أجل كسب الرضا الأميركي ومهادنة الكيان الإسرائيلي والحرص على عدم استفزازه، وكذلك توجّهه المبدئي لتمتين علاقاته مع القوى الأوروبية والمملكة العربية السعودية نفسها لإثبات تفضيله للتوجّه الأميركي على حساب التركي. وعليه، يمكن من خلال هذه الإشارات المتعدّدة محاولة تقدير الواقع الذي سيبلور الدور الكردي في المنطقة بشكل عامّ وسوريا بشكل خاصّ.

فبين الواقع التركي الذي لن يقبل بأيّ دور كرديّ فاعل أمنياً وعسكرياً على حدوده، لما قد يكون لهذا الدور من تأثير مفترض على الأمن القومي التركي الحسّاس جداً من هذه الناحية، وبين الواقع الأميركي الذي يرى في سوريا المستقبليّة مرتكزاً لمشروع أميركي يتخطّى في مزاياه ما قد يقدّمه الواقع الكردي، على مستوى تكريس النفوذ الأميركي وتمتين الأمن الإسرائيلي وقطع طرق الإمداد عن المقاومة في لبنان، يصبح من الممكن الركون إلى خلاصة مفادها أنّ التوجّه في المرحلة المقبلة سيكون محكوماً لاعتبار مجاراة المطلب التركي، ومحاولة تشذيب الواقع الكردي في سوريا من خلال دمجه ضمن هيكلية الدولة السورية الملتزمة بمتطلّبات التوجّه الأميركي، ومحاولة التخفيف من سطوعه في المشهد العامّ من دون أن يعني هذا الواقع وأد هذه التجربة لما لها من حاجات قد تطرأ في المستقبل على المستويين السوري والإقليمي.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى