تحليلات سياسيةسلايد

«كابوس» العبوات يؤرّق العدو: نحو إستراتيجية «معدّلة» ضد الضفة

أحمد العبد 

تشي التطوّرات الميدانية في الضفة الغربية، بتغيّرات ملحوظة، سواء لجهة طريقة عمل جيش العدو، أو لناحية تطوّر أداء المقاومة، فيما أصبح واضحاً توجّه قوات الاحتلال إلى توسيع عمليات القصف الجوّي لملاحقة المقاومين. وفي هذا الإطار، نفّذ العدو عمليتَي اغتيال من الجوّ في مخيم نور شمس، في غضون 72 ساعة، طاولتا كلاً من القيادي في «كتيبة طولكرم»، سعيد الجابر، بقصف منزله في حارة المنشية الأحد، إلى جانب أربعة مقاومين استهدفتهم الطائرات في ساحة النجمة، فجر الأربعاء، بالإضافة إلى المقاوم نضال العامر الذي اغتالته قوة إسرائيلية خاصة تسللت إلى مدينة جنين ظهراً، وأطلقت الرصاص الحي عليه.

ويُقدّر خبراء أن يكثّف جيش الاحتلال لجوئه ، في المرحلة المقبلة، إلى القصف من الجو، في ضوء ارتفاع الخسائر البشرية في صفوف جنوده وآلياته. وإذ بات مخيّما جنين ونور شمس يرسمان معادلة صعبة أمام العدو، ثمّة تقديرات تفيد بأن عملية القصف في نور شمس، جاءت في أعقاب الصفعة التي تلقّاها الأخير في المخيم، وأسفرت عن مقتل وجرح عدد من الجنود.

وتدرك المقاومة، من جهتها، أن الاحتلال يترصّد عناصرها ومقاتليها في كل مكان، ويتحيّن الفرصة لاستهدافهم، لكنها – مع ذلك – تواصل العمل والإعداد لأيّ مواجهة مقبلة، وهو ما كانت الخلية المستهدَفة، فجر أمس، تقوم به، عبر زرع عبوة ناسفة، في حين ذكرت مصادر عبرية أن «مكان القصف (في ساحة النجمة) يبعد 100 متر عن موقع استهداف جندي إسرائيلي صباح الإثنين». وشيّعت طولكرم، في غضون 72 ساعة، سبعة شهداء، خمسة منهم من المقاومين، إلى جانب امرأة وطفل قتلهما الاحتلال خلال اجتياحه المدينة، الإثنين. وإذ نعت «كتيبة طولكرم» الشهداء، فقد تعهّدت بالرد والثأر، متوجهةً إلى العدو بالقول: «لن تذهب دماء مجاهدينا هدراً. والله سنُذيقكم الويلات، فلقد أعددنا لكم نار الجحيم في زقاق المخيم الشاهد على أشلائكم، وإن غداً لناظره قريب».

وفي حين لم يستفق العدو بعد من ضربة العبوات الناسفة في مخيمَي جنين وطولكرم، جاءت عملية «هار براخا»، عصر الثلاثاء، لتشكّل تحدّياً أمنياً جديداً. وفي التفاصيل، فتح قناص فلسطيني النار على مجموعة مستوطنين، ما أدى إلى إصابة أحدهم، واندفاع الشرطة، على إثر العملية، إلى البحث عن المنفّذ في مدينة نابلس، حيث اندلعت مواجهات واشتباكات عنيفة مع المقاومين. وفي بيانه، قال جيش الاحتلال إن إطلاق النار «نُفِّذ من عُمق نابلس»، مشيراً إلى أن قواته «تبحث عن المشتبه فيهم»، وهو ما يؤشّر إلى أن إطلاق النار حصل من مسافة بعيدة نسبياً، فضلاً عن أن دقّة إصابة المستوطن ترجّح وجود قناص أَطلق الرصاص وحقّق إصابات، وفقاً لما ظهر في مقطع مصوّر نشرته منصات إسرائيلية.

ومع أن عملية الاغتيال في مدينة طولكرم، ليست الأولى من نوعها، ولكنها قد تشي بمرحلة جديدة يكون القصف الجوي إحدى أدواتها الرئيسية. ووفقاً لمصادر إسرائيلية، يدرس قادة الجيش عدّة خطوات جديدة لمواجهة المقاومين، منها الدفع بآليات مدرّعة أثقل خلال الاقتحامات، والاعتماد على قصف أوسع من الجو، وتعزيز العمل الاستخباري، إلى جانب اتّخاذ إجراءات مشددة قد تنال أيضاً من فلسطينيي الداخل المحتلّ لدى دخولهم الضفة أو خروجهم منها. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «تهديد العبوات الناسفة في الضفة الغربية ليس جديداً»، وأن عناصر المقاومة في المخيّمات «بدأوا، على ما يبدو، في تعلّم أسلوب عمليات الجيش ومحاور الدخول والخروج، ويحاولون الردّ على ذلك بطرق مختلفة. وتعمل فرقة الضفة على تغيير أساليب عملها، إذ تلجأ إلى أساليب مختلفة بهدف التمويه». ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني لم تسمّه، قوله إن «هناك خشية من المحاولات المستمرّة من قِبَل إيران وحماس ومنظمات أخرى لإدخال أسلحة إلى الضفة، من بينها قذائف آر بي جي». كما نقلت عنه تحذيره من امتلاك مقاومي الضفة هذا النوع من الأسلحة، وتأكيده أنه «بين الفينة والأخرى، يتمّ ضبط أسلحة خلال محاولات تهريبها عبر الحدود الأردنية في منطقة الأغوار».

ومن جهتهم، يعرب المسؤولون في قيادة المنطقة الوسطى عن قلقهم الشديد إزاء ظاهرة يقولون إنهم بدأوا يلاحظونها، ومن شأنها أن تسهم في وصول الأسلحة إلى الضفة، عبر فلسطينيّي الداخل. ووفقاً للمسؤول الأمني الذي تحدّث إلى «يديعوت أحرونوت»، فإن «هناك الكثير من الأسلحة الإسرائيلية التي يسرقها الجنود من قطاع غزة، ويقومون ببيعها إلى منظمات إجرام في إسرائيل، وهي قد تصل بسهولة إلى الضفة الغربية». وعليه، تعمل قيادة المنطقة الوسطى، حالياً، على اتّخاذ خطوات للبدء بـ«فحص» فلسطينيي الداخل، لدى دخولهم الضفة، علماً أنه يجري أساساً فحص المركبات لدى عودتها من الضفة إلى داخل الخط الأخضر.

ويترافق التصعيد الميداني في الضفة، مع نشاط استيطاني واسع، إذ ذكرت «القناة السابعة» الإسرائيلية أن «لجنة التخطيط العليا» في الإدارة المدنية ستصادق على بناء 5300 وحدة استيطانية جديدة في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة. وأشارت القناة إلى أن من بين المستوطنات التي سيتمّ البناء فيها: «ألون موريه» في نابلس (186 وحدة استيطانية)، «كريات أربع» في الخليل (240 وحدة)، و«نريا» في رام الله (435 وحدة). وأوضحت القناة أن إجمالي الوحدات الاستيطانية الجديدة التي تمّت المصادقة عليها، خلال العام والنصف عام الماضي، وصل إلى أكثر من 24 ألفاً، فيما صودق على بناء أقلّ من 20 ألف وحدة بين العامَين 2020 و2022. وفي الإطار نفسه، استكملت حكومة الاحتلال، أول من أمس، مصادرة 24 ألف دونم في منطقة الأغوار، وشرعنتها عبر تصنيفها على أنها «أراضي دولة»، يمكن لاحقاً إقامة مشاريع استيطانية فيها.

 

 صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى