
منذ أن أنتجت شركة «سورية الدولية» مسلسل «ضبّوا الشناتي» (كتابة ممدوح حمادة، وإخراج الليث حجو – بطولة بسام كوسا، وضحى الدبس، وأمل عرفة، وأيمن رضا، وأحمد الأحمد، ولوريس قزق، ورنا شميس، وآخرين/ 2014)، حققت المغنية السورية كارمن توكمه جي شهرة محلية من خلال تأدية أغنية التتر «سفّرني ع أي بلد»، التي استحالت ما يشبه نشيداً للرحيل في بلاد مكلومة، الأمر الذي طرح اسمها بقوة ومنحها حظوظاً وافرة، على اعتبار أن العمل الغنائي الذي كتبه ولحّنه إياد الريماوي لامس بشكل مباشر الوعي الجمعي للسوريين، وخاطب وجدانهم بشفافية ورهافة، إذ إنّ موجة الهجرة واللجوء الإنساني كانتا في أوجهما آنذاك، بينما اقتصرت طموحات الشعب حينها على حقيبة يُوضّب فيها بعض الأغراض والذكريات لتكون حاضرة للرحيل النهائي إلى وطن أقل دموية!
درست توكمه جي الصولفيج في عام 2009 على يد أستاذها حسام الدين بريمو، ثم التحقت في العام التالي بكورال «قوس قزح» الذي يقوده، لتتعلّم بعدها أصول الغناء الأوبرالي على يد مغنية الأوبرا آراكس شيكيجيان، تحضيراً لدخول «المعهد العالي للموسيقى» الذي أصبحت طالبة ثم أستاذة مساعدة فيه. غير أنّها كثيراً ما تغيب عن المشهد الموسيقي، ليقتصر حضورها بين حين وآخر على حفلات وأعمال تسبح عكس التيار التجاري السائد الذي يغزو السوق الموسيقية العربية عموماً. أوّل من أمس، طرحت كارمن على قناتها الرسمية على يوتيوب أغنية مصوّرة بعنوان «المطر بالشام» (من كلماتها وألحانها، وتوزيع ناريغ أباجيان).
كلام الأغنية ولحنها بسيطان جداً، لدرجة عرّضت صاحبتها للانتقاد في الأوساط الموسيقية السورية، باعتبار أنّها لا تنسجم نهائياً مع ظرف وروح المرحلة الصعبة التي تعيشها البلاد، ولا تعبّر بأي شكل عن نبض الشارع، إذ جاء في كلماتها:
«لاقيني بمكان، نفس المكان بالحارة جنب العرباية العتيقة…
لاقيني بمكان، نفس المكان بلا ما تشوفك جارتنا اللي ما منطيقها،
ولا تنسى بوقت الشتوية تلبس شي أربع طبقات، من هلأ عم قلك بدفى بجاكيتك بالذات، بعرف إنو كبير عليي بأكثر من خمس قياسات…».
ترافق ذلك مع تصوير يعيد تدوير الأماكن السورية المعروفة مثل «دار الأوبرا»، والسيف الدمشقي في «ساحة الأمويين»، والأوابد والأسواق الأثرية في الشام القديمة، لكن بطريقة تُظهرها خلافاً لما هي عليه من تهاوٍ خدماتي وإهمال. حتى نهر بردى يبدو في الصورة كأنه في أفضل أحواله، وهو في الحقيقة أشبه بمجرى للصرف الصحي. بمعنى أننا أمام عمل شاعري بطريقة مستفزّة تجافي الواقع تماماً، ورومانسي بطريقة منفصلة عن الحقيقة، كما أنّه مسكون بالحنين لشيء لم يكن موجوداً أصلاً، ولم يعد ينفع التباكي عليه بهذه الطريقة. فكثير من السوريين يفكرون اليوم بالسفر، بعد أكثر من أربعة شهور على إسقاط النظام، من دون أن يلمس أحد أيّ ملمح لإمكانية انطلاق إعادة الإعمار والتأهيل الخدمي ونشر السلم الأهلي والأمان.
صحيفة الأخبار اللبنانية