فن و ثقافة

كتاب العلاقات الفرنسية السعودية: مرجعية دبلوماسية يحتاجها التحليل السياسي!

عماد نداف

الحلقة الأولى ( الملك فيصل وشارل ديغول)

 

خاص

قرأت كتاباً وصل إليّ عن العلاقات الفرنسية السعودية (1967ــ 2012) للدكتور فيصل المجفل، الصادر عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) في بيروت عام 2014، وكنت قد انتبهت في الآونة الأخيرة إلى حاجة الثقافة العربية والتحليل السياسي العربي المعاصر بأطيافه كافة إلى مرجعية تكشف خفايا الدبلوماسية العربية وأفكارها للبناء عليها في تحليلات تخرج عن إطار الارتجال والولاء والديماغوجيا.

وقد لاحظت مباشرة أن غلاف الكتاب بنى على ثنائية الصور، وهو ما يجعلنا ندقق بمعنى هذا التصميم الذي قدم الثنائيات الفوتوغرافية وهي تحمل رسائل مضمنة عن مختلف المراحل التي مرت بها الدبلوماسية السعودية ــ الفرنسية ، فتبدأ الثنائيات بثنائية (الملك فيصل ــ شارل ديغول) ، وتنتهي بثنائية (الملك سلمان ــ جاك شيراك) حيث تقف الدراسة التي يعرضها الكتاب عند تاريخ 2012، وكان التوقف عند هذا التاريخ ضروريا في وقت صدور الكتاب لأن تبعات (الربيع العربي) لم تكن قد انكشفت بعد ، ولأن تلك السنة التي توقف عندها الكتاب ستفتح فيما بعد على مشروع دراسة أكبر وأوسع تتعلق بالأحداث التالية.

ولأن كل معلومة ترد في هذا الكتاب يمكن أن تضيف الكثير، فإن انتقاء أهم المحطات التي لفتت نظري هو ما سأقوم به ، وخاصة عندما يبدأ الكتاب بواحدة من مراحل الأزمات الكبرى وهي أزمة عام 1967، والمكاسرة العربية الإسرائيلية التي جعلت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يقدم استقلالته بعد أيام من اندلاع الحرب وانكشاف عمق الهزيمة العربية أمام إسرائيل التي شنت العدوان، ثم ينتقل إلى اللحظات الصعبة التي مر بها العالم وخاصة المملكة السعودية إثر أحداث أيلول وانهيار برجي التجارة العالميين في نيويورك.

وبدءا من ثنائية (الملك فيصل ــ الرئيس شارل ديغول) نجد أنفسنا على أعتاب مرحلة على غاية الدقة في العلاقات العربية مع الغرب، وذلك لأن تلك المرحلة تعني استعادة الأحداث التي مرت في تاريخ الأمة فالملك فيصل يستجيب لفكرة فتح قناة حوارمع الرئيس الفرنسي شارل ديغول التي طرحها مستشاره السياسي الدكتور معروف الدواليبي ، وذلك ضمن جولة أوربية في نهاية شهر أيار 1967 تشمل بريطانيا وبلجيكا إضافة إلى فرنسا التي أضيفت إلى جدول الزيارات، وهذا يفتح على نقطتين ، الأولى هي التاريخ، والثانية هي المعنى .

فبداية الجولة جاءت عشية وقوع عدوان حزيران ، وهي مرحلة ساخنة في العلاقات العربية الدولية في وقت بلغ فيه الصراع العربي الإسرائيلي استعصاء مسدود الأفق أدى بعد أيام إلى وقوع حرب وهزيمة حزيران ، وهنا تكمن أهمية الحديث عن هذه المرحلة لأن الدبلوماسية العربية وقتها كانت بحاجة إلى مجموعة مرتكزات ، أهمها إيجاد طريقة لمخاطبة الغرب، ثم الخروج بحل يؤدي إلى قيام الغرب بدور جديد في الصراع الساخن في المنطقة.

كان على العرب والمملكة العربية السعودية نقل وجهة النظر العربية، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية إلى شارل ديغول أحد القامات المعروفة والمؤثرة في السياسة العالمية في ذلك الوقت، وكان على العرب أيضا تدارك ماتحيكه إسرائيل على صعيد التوتر في المنطقة والذي اكتشف العالم فيما بعد أن إسرائيل كسبت منها أراض عربية واسعة تزيد عن حجمها بعدة مرات ، وهو ماعرف بلغة القرارات الدولية بالأراضي العربية المحتلة في حزيران عام 1967.

عندما تم الاجتماع بين هاتين القامتين الكبيرتين قبل ثلاثة أيام من حرب حزيران، جرى حوار على غاية الأهمية بين (الملك العربي) و(الرئيس الأوروبي)، وفي هذا الحوار نستعيد الثيمة الخطيرة التي اشتغلت عليها الدبلوماسية الاسرائيلية لتبرير عدوانها، وهي أن العرب (يريدون رمي اليهود بالبحر) وأن إسرائيل أصبحت أمرا واقعاً.

كانت هاتان النقطتان المفتاح الحقيقي لحوار الدبلوماسية المنتمية إلى تاريخ عميق من فهم التاريخ والصراع معاً، ولنقرأ ما يورده الدكتور فيصل المجفل في كتابه نقلا عن الدواليبي :

“أجاب الملك فيصل: يافخامة الرئيس، أنا أستغرب كلامك هذا ، إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعا ، وأنت انسحبت مع الجيش الانكليزي وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلبت عليه..” إلى أن يقول : ” وأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بهذا الأمر الواقع ” ص 44 من الكتاب.

لم تنته المسألة هنا، فديغول يهرب من حصار الملك له إلى حجة أخرى، عندما يتابع: “ياجلالة الملك، يقول اليهود: إن فلسطين وطنهم الأصلي، وجدهم الأعلى إسرائيل (يعقوب) ولد هناك” فيرد الملك فيصل : ” أنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس، أما قرأت أن اليهود جاؤوا من مصر غزاة فاتحين.. حرّقوا المدن، وقتلوا الرجال والنساء والأطفال، فكيف تقول إن فلسطين بلدهم، وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون، وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة وتمارسه الآن، فلماذا لاتعيد روما استعمار فرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط؟ أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود، أو نصلحها لمصلحة روما، ونحن العرب أمضينا مئتي سنة في جنوب فرنسا، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ، ثم نفوا بعدها ” ص45 من الكتاب .

ويمكن للقارئ أن يتابع الحوار وتداعياته المنطقية إلى أن يصل إلى جوهر الموقف السعودي الذي يريده الملك فيصل في وقت حساس على أكثر من صعيد ، ومن بين أسباب تلك الحساسية هو الحرب التي كانت دائرة بين مصر والسعودية في اليمن، والتي تمنع القرار السعودي من دعم مصر بعد الهزيمة بخمسين مليون جنيه استرليني كمساعدات لكي تبقى موازين القوى كما هي .. ” ص48 من الكتاب.

إن التحليل المعمق الذي يرد في بحث الدكتور فيصل المجفل عن هذه المرحلة ، وكشف طبيعة الدبلوماسية السعودية وأهدافها في واحدة من أعقد المراحل العربية يتجه إلى الجوانب الاقتصادية وطبيعة التحالفات الدولية التي كانت قائمة والتبريرات المقنعة لطبيعة التحرك الدبلوماسي السعودي في ذلك الوقت.

 

يتبع الحلقة الثانية عن أحداث أيلول والدبلوماسية السعودية

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى