كثير من دراما الحرب… قليل من الكوميديا

يمكن القول إن عام 2015 كان سورياً بامتياز على شاشات التلفزيون العربية، سواء عبر مشاهد الحرب وجلّاديها أو مشاهد الدراما ونجومها الذين تصدروا أيضاً برامج المنوعات مع المشتركين فيها، في وقت ظلّت الدراما اللبنانية في الخلف على الرغم من التشابك والاختلاط في مسلسلات من الجنسيتين بنسب متفاوتة لمصلحة السورية منها، ولكنهما تساوتا في بعض نواحي التخبط في أعمال لا ترتقي إلى «المشروع الفني».

ولا يختلف الحديث عن الدراما اللبنانية الصرفة بمعظمها بعد مرور العام الحالي كثيراً عن الحديث قبله. ظلّت نائية بنفسها عن واقعها المحلي ومشكلات مجتمعها المزمنة واليومية في شكل كبير لا يمكن أن يفسر إلّا بكونه متعمداً. طغت في المشاهد القصور الفخمة والبيوت التراثية وغابت الأحياء الفقيرة. وُريت الهموم المعيشية كانقطاع الماء والكهرباء وضعف الأجور، إلى جانب المعاناة من فساد النظام السياسي في بنيته وعناصره، إضافة إلى غياب التجاعيد عن الوجوه والاكتفاء بالبوتوكس ومساحيق التجميل. وفي حين أن مشاهدة حلقات عدة من أي مسلسل سوري أو مصري تعرفك إلى مجتمعاتها بكافة عناصرها من أسفل قائمة الدخل والثقافة والطبقات الاجتماعية إلى أعلاها، اختفت النماذج الإنسانية المختلفة في الدراما اللبنانية. لا يمكن ملاحظة إلّا قصة حب تربط الشاب والصبية الوسيمين، بعيداً عن التفاصيل الحياتية اللبنانية في الواقع. في هذا الإطار، لا يمكن إغفال كيف عرّت الدراما السورية نظيرتها اللبنانية، إذ انتظر مشاهد الدراما التلفزيونية أعمالاً سورية اعتمدت على الجغرافيا اللبنانية كـ «غداً نلتقي» (كتابة إيّاد أبو الشامات بالاشتراك مع مخرج العمل رامي حنّا)، كي يرى أزمة النازحين في بلد الأرز، ويرى أن فيه «فان» لنقل الركاب، يستقله المشاهد لكنه لا يراه على الشاشة أو ليدرك أن في لبنان أيضاً عشوائيات أظهرها «العراب – نادي الشرق» (كتابة رافي وهبي وإخراج حاتم علي). يبدو من الحلم أن نرى في الدراما اللبنانية مواطناً يدفع اشتراك مولد الكهرباء أو أجرة تعبئة خزان مياه الخدمة أو يحمل «غالون» مياه الشرب على درج البناية، بسبب انقطاع الماء والكهرباء.

ربط الأعمال «المشتركة» عربياً بالمقتبسة، يصبح مشروعاً بسبب التشابه بين معظم أعمال الفئتين إلى حد قارب «التهجين» فيهما. اعتمدت مسلسلات الفئتين بمعظمها على الإبهار البصري وعلى الاستسهال بالمبرر الدرامي. في وقت لا تستطيع فيه الأم اللبنانية أو السوريّة منح ابنها جنسيتها، أسقطت المسلسلات «المشتركة» الجنسيات المختلفة على شخصيات العمل من دون سبب فني، بل لمجرد إضافتها بدوافع تسويقية، فأصبحنا أمام مشهدين، في الأول نحن أمام فضاء جغرافي واحد بألسنة مبلبلة بلا أصل تناقض الواقع الدرامي، مثلاً موظف سوري في مصرف لبناني. وفي الثاني يطرح السؤال: «وين اذنك يا جحا؟»، إذ يسخّر الكاتب كلّ مواهبه لزرع الشخصية المصرية والسوريّة واللبنانية في الحبكة، في سياق أبعد مسافةً من طريق القاهرة – بيروت حتى، فيأتي المشهد بعيداً عن الإقناع. وتنعكس خطورة هذا الأمر في إجهاض مشاريع فنية بحق، على حساب خلق الهجينة منها. في معلومات حصلنا عليها تم تأجيل مسلسل «لا تطلقوا الرصاص» من تأليف سامر رضوان وبطولة النجم والممثل عابد فهد، بسبب محاولات تحويل النص إلى متعدد الجنسية والتحكم بمساحات الشخصيات بدوافع إنتاجية غير متفقة مع الفنية.

وأما الأعمال المقتبسة، فوحده «نادي الشرق» نجا من الاستسهال في «النسخ واللصق» عن العمل الأصلي، فوقعت بقية المسلسلات في مطب عدم الإبداع في التطوير الدرامي للأصل، إضافة إلى عدم احترام القيمة الفنية للأصل عينه أو حتى عدم التدقيق فيه من قبل الصنّاع.

في المقابل، ركّزت الإنتاجات السوريّة على مقاربة الأزمة في بلادها من مختلف الزوايا، إمّا مباشرة أو عبر خطوط درامية تسير في تداعياتها من وجهات نظر إنسانية وسياسية، بخاصة  «بانتظار الياسمين» و  «في ظروف غامضة» و «عناية مشدّدة» و «شهر زمان» و «غداً نلتقي» و«وجوه وأماكن»، وذلك طبيعي كي لا تنفصل عن الواقع على أقل تقدير. واستطاعت الأعمال المعاصرة (المودرن) أن تصوّر في شكل متفاوت فنياً معاناة الشعب في الداخل والخارج، مع تبني وجهة نظر سياسية مبطنة وغالبة. ولجأت أعمال «البيئة الشامية» إلى التكتيك عينه، ولكن تحت عباءة «نمطية الحارة» واعتماد المستند التاريخي الخطأ في إسقاط الحاضر على الماضي. في هذه الفئة نجا مسلسل «حرائر» (كتابة عنود الخالد وإخراج باسل الخطيب) الذي تعمد صنّاعه إخراج الامرأة السورية من الصورة النمطية وتصحيحها. واستطاع الموسم الدرامي السوري من خلال غالبية هذه الأعمال، التركيز على صيغة البطولة الجماعية مقابل صيغة «البطل والبطلة» ما ينقذ من النصوص المعلبة ولعبة «النجم الأوحد». إلى ذلك دفع طغيان الأزمة إلى عزل الكوميديا الواضحة التي لم تظهر مباشرة إلّا عبر «دنيا 2015» (كتابة أمل عرفة وسعيد حنّاوي وإخراج زهير قنّوع)، فنجح هذا العمل بخلق كوميديا تسير في فضاء الأحداث الجارية، ليكون الضحكة الوحيدة في 2015.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى