كذبة نيسان عند السوريين !

خاص

في التربية المنزلية تعلم الأمهات في سورية أبناءهن بأن الكذب ((حرام)) أو ((عيب))، وعندما يدخل الأبناء في معترك الحياة يصادفون أشياء غيرها تتناقض مع هذا النوع من التربية من بينها أن هناك مثلا يقول : ((الكذب ملح الرجال))..

وعشية اليوم الأول من نيسان من كل عام، حيث تعارف الناس في العالم، وليس في سورية فقط على إمكانية تداول نوع من الكذب الأبيض، عشية هذا اليوم يحذر البعض من آثار هذه الكذبة على الناس، ويتداولون حكايات مأساوية عنها .

وكانت القناة الثانية في التلفزيون السوري، التي كانت الأكثر مشاهدة قبل ظهور الفضائية السورية، تبث حلقة خاصة عن ((كذبة نيسان)) في الحادي والثلاثين من آذار من كل عام في برنامج المنوعات اليومي الشهير ((آخر المشوار)) الذي يبث في آخر الليل، فيقول البرنامج :

ــ انتبهوا من الكذب ، فغدا هو الأول من نيسان !

ثم تصدح أغنيات الكذب، وأهمها تلك التي يشارك فيها الفنان الكوميدي دريد لحام في إحدى المسرحيات عن عيد الكذب، ثم تقرأ مذيعة برنامج (( آخر المشوار)) أشياء عن الصدق وفوائده في المجتمع، يعقبها ظهور الفنان ناجي جبر في مونولوج (( كذاب ، والله العظيم كذاب)) !

وفي المساجد يسخر خطباء الجمعة من هذه ((البدعة))، ويهاجمونها لأنها مخالفة للشرع والمنطق، ويحذرون من مشاكلها، لكن أهم طرائف هذا اليوم التي سمعنا بها وقرأناها عبر وسائل التواصل، هي تلك التي تتحدث عن انخفاض سعر الدولار إلى مئتي ليرة ، وتلك التي تتحدث عن السماح بهجرة السوريين إلى غرناطة وأشبيلية ، لنقرأ فيما بعد أن أصل كذبة نيسان كانت من هناك عندما شاع خبر السفن الكبيرة التي جاءت لتنقذ المسلمين بعد سقوط الأندلس، فراح المسلمون يتدفقون إلى الشاطئ لتحصدهم سيوف الأعداء !

وفي هذه المناسبة كتب الصحفي السوري جورج كدر عن منشأ عيد الكذب وكذبة نيسان، فبعد أن بحث في المعطيات المتعلقة بعيد الكذب، قال : (( قادني البحث إلى أن أصل هذا العيد يعود إلى احتفالات رأس السنة البابلية والآشورية، الشهير باسم “عيد الأكيتو”، حيث كان التقويم السنوي لدى هذين الشعبين يبدأ في الأول من نيسان/أبريل، ويستمر حتى الثاني عشر منه وكان من طقوسه الشهيرة “يوم المجانين” الذي توسعت بشرحه في كتابي “جذور النكتة الحمصية – حرب الأيديولوجيا الفكاهية وليتورجيا المجانين المندثرة”، فأحد أيام هذا العيد كان “يوم المجانين” الذي يصادف اليوم الخامس منه. وأقدم النصوص التي تشير إليه يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وهذا العام يصادف السنة 6766 حسب التقويم البابلي والآشوري الذي يحتفل فيه أحفاد هذا الشعب اليوم، الذين تمزقوا في كافة بقاع العالم، بعد حملات التطهير العرقي، اللاتي عانوا منها على مر العقود ولم يبق منهم في سوريا والعراق إلا بضع آلاف.)) ويضيف جورج كدر : ((والغريب أن عيد رأس السنة السورية ارتبط طقوسيًا بما يعرف بكذبة نيسان وهو أمر لم يلتفت له المهتمون، وكل التفسيرات الواردة حول كذبة نيسان خاطئ))..

وقد نشرت صحيفة ((البعث)) السورية بدورها تحقيقا حول ((كذبة نيسان)) انعكست فيه صورة المأساة السورية في طبيعة الكذبة نفسها : (( تخيّلوا أن يتصل بكم أحد في ظل هذه الأحداث ليقول لكم: إن (الأب أو الأخ أو الابن) قد خطف ليلهو ويلعب أو أن يتصل أحد بأهل أي مخطوف أو مفقود ليعلمهم بوفاته أو ليطالبهم بمبلغ من المال .. دون الاكتراث بمشاعرهم وبما قد ينجم عن حوادث نتيجة هذه المزحة “الكذبة المرة” التي سيكون لها الكثير من الآثار الاجتماعية والنفسية والصحية، وفي المقابل تكون قهقهات ذلك المتظارف هي الحاضر الأقوى والشاهد على مآسي الآخرين وخاصة عندما يقتبس عبارة أسعد في مسلسل ضيعة ضايعة : عم نلطف جو))!

ونشرت البعث كل مايروى عن أصل ((عيد الكذب)) وخاصة تلك التي تتحدث عن أنه يعود إلى القرن السابع عشر حينما اتخد الملك لويس الرابع عشر( 1638 – 1715 م) ملك فرنسا من اليوم الأول لكانون الثاني رأس السنة المالية في فرنسا عوضاً عن الأول من شهر نيسان لأنه عيد وثني. وحسب هذه القصة أصر البعض على الاحتفال بهذه المناسبة بعد أن لبسوا ملابس متنكرة وصبغوا أوجههم كي لا يتم التعرف عليهم من قبل جنود الملك، لما سمع الملك لويس السابع عشر أمر بإحضارهم جميعاً إليه، وعندما سألهم عن سبب قيامهم بالاحتفال وعصيانهم لأوامره، انبرى متكلم حاذق من بينهم قال للملك : يا ملكنا العظيم إننا لم نخالف أوامرك، وبالعكس حوّلنا هذه المناسبة إلى مناسبة تافهة لا تستحق الاحتفال فيها .. عملناها عيد الكذب عن طريق لبسنا هذه الملابس الممزقة وهذه الأصباغ المزيفة، ففرح الملك عندما سمع هذا الكلام ولم يقطع رؤوسهم)) .

وتورد البعث رواية غريبة أخرى تقول: (( إن إحدى ملكات بابل القديمة أمرت بأن يكتب على قبرها بعد وفاتها عبارة تقول: «يجد المحتاج في قبري هذا ما لايسد به حاجته إذا فتحه في الأول من نيسان» ولم يجرؤ أحد على فتح القبر حتى جاء الملك الفارسي داريوس، فأمر بفتح القبر، فوجد لوحاً نحاسياً كتب عليه: «أيها الداخل إلى هذا القبر أنت رجل طمّاع وقح عطش إلى نهب المال ولأجل إشباع نهمك أتيت تقلق راحتي في نومي الأبدي مغتنماً فرصة الأول من نيسان، ولكن خاب ظنك وطاش سهمك فلن تنال من لحدي إلّا نصيب))

وكانت صحيفة “الشرق الأوسط” قد نشرت أحد رسومات الكاريكاتير الذي يصف “دولة لبنان” بـ”كذبة نيسان”، فأثارت كثيرين في المجتمع اللبناني الذي يعتبر أن الأرزة التي تتوسط العلم اللبناني هي من الرموز المقدسة، حيث توصف السيدة العذراء بأرزة لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى