
” احذر ترى يجيك يوم
وتصيرللي مالك لزوم”
هل يكذب العشاق حقاً؟ أم أن التهمة الموجهة إليهم باطلة وكاذبة منذ البداية وكيف نشتبه بهم وهم الذين يهيمون في الوديان والبراري كي يسترجعوا ويعيدوا رسم صور حبيباتهم ؟ وماذا نقول عن تلك التي تذرف الدموع في عزلتها وعتمتها على فقد حبيبها؟
يقدم لنا الكاتب “عبد الرحمن منيف” في بداية “قصة حب مجوسية” الشهيرة مجموعة من النصائح التي قد تبعدنا عن الحب والزواج والارتباط من خلال قوله: “إذا أردت أن تحب، لا تحب امرأة متزوجة، لا تحب امرأة جميلة، لا تحب امرأة مثقفة، لا تحب امرأة ثرية، لا تحب امرأة لا تعرف اسمها وعنوانها.
ومع مسيرة بطل الكاتب السردية نجد أن بطله يتناقض مع تلك النصائح وذلك حين يطلب ممن أحبها أن تتقدم منه وتدوس فوق عظامه، فهو سيتوج ويفرح ويتقدس بذلك، ولا ندري إن كان وراء طلبه هذا دوافع نفسية، أم هو تصرف طبيعي وسليم؟ لكن بطله لم يصل إلى الحبيبة المشتهاة وبقي محروماً منها، فهل يكتمل العشق بالوصول إلى المحبوبة؟
هذا السؤال يمكن توجيهه إلى ” أسامة” بطل رواية “ماري” لمؤلفها المحامي والكاتب “محمد أحمد الطاهر” فقد أستطاع بطله الوصول إلى المحبوبة ونال منها ما يريد وقلب جسدها يميناً وشمالاً، ومع ذلك وجدناه يبكي عليها ووصل إلى حد الجنون وهو يودعها في محطة القطارات في مدينة حلب.
ولو أخذنا استحالة الارتباط بينهما كما درجت عليه عادة الطوائف والمكونات في بلادنا وكما هو وارد في رواية “الطاهر” وذهبنا إلى حالات أخرى يسمح فيها للعشاق بالارتباط هل ينتهي الحب يا ترى؟ هل تزول عنه الرومانسية ويصبح عادياً، هل يغدو أقل توهجاً، أم يصبح باهتاً لا طعم له؟ والأهم هل ينتهي الحب بالوصول إلى الجسد، أم هو شيء روحي يتغلغل فينا ولا يغادرنا حتى لحظاتنا الأخيرة في هذه الحياة؟
يردد ياس خضر ربما من باب اللوم والعتب صادحاً:
“مو محبين اليريدون المحب
لازم يشوف الهجر مرة
مو محبين اليحسبون القلب
مثل المواسم ألف مرة”
وتنبه أم كلثوم في رائعتها إلى ذلك وهي تغني: ” ولقيتني وأنا بهواك، خلصت الصبر معاك” فهل ينتهي صبر العشاق فعلاً؟ وهل تذهب تلك المكنونات الجميلة والدفينة أدراج الرياح؟
سمعت أن الفنان “الوسمي” حين غنى تلك الكلمات التي تقول:” احذر ترى يجيك يوم ، وتصير اللي ما لك لزوم” قد بكى وهو فوق خشبة المسرح، ثم أقسم بعد ذلك أنه لن يعود إلى الغناء ثانية.
في ختام كلامنا نريد التأكيد على الفوارق الشاهقة بين العشق والحب، وقد تقصدنا الخلط بينهما، لنعود إلى سؤالنا الأول ونقول: إن العاشق يكذب حين تعيله الأسباب، وتخذله الظروف.
العاشق في حقيقة الأمر يريد أن يبني للمحبوبة قصوراً عالية، ويتمنى أن يتجول معها في جنات الروض والنعيم، غير أنه ينكس مع الخيبة حين يجد أن قصور حبه على أساسات من الرمل، ولا جسور حديدية تمتن وتربط بين بنيانه، وحين يجد أن أشجار بستانه تقترب من اليباس، وعندما يبحث عن الماء لا يجده، ربما يجد فقط تلك الزلوف التي صبغها البياض.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة