فن و ثقافة

كراسناهوركاي الحائز على «نوبل»… والنقد اللاذع للسلطوية

أليكس مارشال وأليكسندر ألتر

كان كراسناهوركاي، البالغ من العمر 71 عاماً، الذي حصل على جائزة نوبل للآداب، هذا العام «لأعماله المقنعة والرؤيوية التي تؤكد قوة الفن في خضم الرعب المروع»، حسبما جاء في بيان الأكاديمية السويدية، مرشحاً لنيل الجائزة منذ سنوات طويلة. لقد وصفته سوزان سونتاغ مرة بأنه «سيد نهاية العالم»، وهو يحظى منذ فترة طويلة باحترام زملائه الكتّاب لأسلوبه الفريد ورواياته القاتمة التي غالباً ما تكون مفعمة بروح الدعابة الخفية.

 

بالإضافة إلى رواياته، كتب ستة سيناريوهات بالتعاون مع المخرج السينمائي الهنغاري بيلا تار، الذي قام بتحويل العديد من رواياته إلى أفلام. وقام تار بتصوير فيلم «كآبة المقاومة»، وهو اسم روايته التي تُعدّ من أشهر أعماله، وكذلك «تناغمات ميركمايستير – Werckmeister Harmonies»، في عام 2000. وهي رواية مليئة بالجمل الطويلة بلا أي تنقيط، وتتناول الأحداث التي وقعت في بلدة هنغارية صغيرة بعد وصول سيرك يحمل معه حوتاً محشواً ضخماً.

وأحدث رواياته التي صدرت باللغة الإنجليزية هي «Herscht 07769»، ونُشرت العام الماضي في الولايات المتحدة. تثير الرواية، التي تتكشف في جملة واحدة، مخاوف بشأن صعود الفاشية في أوروبا، وتتخيل عامل تنظيف في ألمانيا يكتب رسائل إلى المستشارة أنغيلا ميركل لتحذيرها من الدمار الوشيك للعالم. ولا تحتوي الرواية التي تبلغ 400 صفحة سوى على نقطة واحدة.

يقول كراسناهوركاي لصحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2014، إنه حاول تطوير أسلوب «مبتكر تماماً… لقد أردت أن أكون حرّاً في الابتعاد عن أسلافي الأدبيين، وألا أكتب نسخة جديدة من كافكا أو دوستويفسكي أو فوكنر».

وأشاد ستيف سيم-ساندبرغ، عضو اللجنة التي منحت الجائزة، «بأسلوب كراسناهوركاي الملحمي القوي والمستوحى من الموسيقى»، وذلك في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه عن منح جائزة نوبل.

وأضاف سيم-ساندبرغ، قائلاً: «إن نظرة كراسناهوركاي الفنية، الخاوية تماماً من الوهم، والتي تخترق هشاشة النظام الاجتماعي، جنباً إلى جنب مع إيمانه الراسخ بقوة الفن، هي التي دفعت الأكاديمية إلى منحه الجائزة».

وقالت متحدثة باسم الناشر الألماني لأعمال كراسناهوركاي في رسالة بالبريد الإلكتروني يوم الخميس، إن المؤلف لم يُجرِ أي مقابلات، على الرغم من أنه تحدّث، لفترة وجيزة، إلى الإذاعة السويدية في وقت سابق من اليوم، قائلاً: «أنا سعيد للغاية، شكراً لكم»، مضيفاً: «لا أعرف ما يخبئه المستقبل».

ولد كراسناهوركاي عام 1954، في بلدة جيولا، وهي بلدة صغيرة تبعد نحو 120 ميلاً عن بودابست. بقيت الجذور اليهودية لعائلته سرّاً -فقد غيّر جده اسم العائلة من كورين إلى كراسناهوركاي من أجل التماهي والاندماج في المجتمع- ولم يكن كراسناهوركاي على علم بتراثه اليهودي حتى أخبره والده بذلك عندما كان في الحادية عشرة من عمره.

كان كراسناهوركاي طفلاً معجزة في الموسيقى، وعمل موسيقياً محترفاً لعدة سنوات في شبابه؛ حيث كان يعزف على البيانو في فرقة جاز، ويغني في فرقة روك آند رول.

كان والده محامياً، ووالدته تعمل في وزارة الرعاية الاجتماعية. خطّط لدراسة القانون متأثراً بأعمال كافكا -الكاتب الذي كان يُقدسه- وكان مفتوناً بعلم النفس الجنائي، لكنه انتهى به الأمر إلى دراسة اللغة والأدب الهنغاريين.

بعد الجامعة، خدم كراسناهوركاي في الجيش، لكنه قال في مقابلات إنه هرب من الجيش بعد أن عوقب بسبب عصيانه، ثم عمل في وظائف مؤقتة، مثل عامل منجم وحارس ليلي لـ300 بقرة، وهو عمل سمح له بقراءة أعمال دوستويفسكي، ورواية «تحت البركان» لمالكولم لوري، وهو كتاب وصفه بأنه «مرجعه الأول».

عندما بدأ الكتابة، كان هدفه إكمال كتاب واحد، ثم متابعة مسيرته في مجال الموسيقى. في الوقت الذي نشر فيه قصته القصيرة الأولى، كان الفنانون والكتاب يخضعون للرقابة في ظل النظام الشيوعي في هنغاريا، وتم استدعاؤه للاستجواب من قبل الشرطة، التي استجوبته حول آرائه المعادية للشيوعية، وصادرت جواز سفره.

لم يثبط ذلك كراسناهوركاي عن عزمه، ففي عام 1985، نشر روايته الأولى المثيرة للجدل بعنوان «ساتان تانغو»، أو «رقصة الشيطان»، التي تدور حول الحياة في قرية فقيرة متهالكة. ولقد أحدثت الرواية ضجة أدبية في هنغاريا. وقال في مقابلة مع مجلة «باريس ريفيو» في عام 2018: «لم يستطع أحد، بمن في ذلك أنا، فهم كيف كان من الممكن نشر (ساتان تانغو) لأنها رواية غير مثيرة للمشكلات بالنسبة للنظام الشيوعي».

تدور أحداث «ساتان تانغو» في مزرعة جماعية مهملة، وتركز على العديد من الموضوعات التي تميز أعمال كراسناهوركاي؛ فهي تصور أشخاصاً عاديين يملؤهم شعور عام بالبارانويا والارتباك، ويواجهون حالة من عدم اليقين مع بدء انهيار الأنظمة الاجتماعية.

يقول الشاعر جورج سزيرتيس، الذي ترجم «ساتان تانغو» والعديد من أعمال كراسناهوركاي الأخرى: «إنه لا يتعامل مع القضايا السياسية الكبرى، وإنما يتعامل مع تجارب الأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات آخذة في التدهور والانهيار».

في عام 1994، صوّر المخرج بيلا تار فيلماً مقتبساً عن الرواية مدته أكثر من 7 ساعات. وفي مقابلة يوم الخميس، تذكّر أنه قرأ الكتاب في ليلة واحدة، وسأل المؤلف عما إذا كان بإمكانه تحويله إلى فيلم، ليجد أن المؤلف منزعج من إيقاظه خلال عطلة عيد الفصح. ويقول تار إن الرواية مليئة بـ«هؤلاء الناس الفقراء، وهؤلاء الناس البؤساء»، لكن كراسناهوركاي منحهم «كرامة» نادرة.

أما سزيرتيس فيقول إن كراسناهوركاي لم يتوقع مطلقاً أن تحظى كتبه -المفعمة بالعبارات والجمل الفرعية التي لا نهاية لها- بشعبية واسعة بين القراء في مختلف أنحاء العالم، فكتبه، حسب قوله، «قد تبدو مرهقة في بعض النواحي، ببساطة لأنه لا توجد فواصل فيها».

خلال العقود الأخيرة، حصل كراسناهوركاي على سلسلة من الجوائز خارج وطنه. في عام 2015، فاز بجائزة «مان بوكر» الدولية، التي كانت تُمنح في ذلك الوقت لمجمل أعمال المؤلف، وليس لرواية معينة.

وفي الولايات المتحدة، نشرت دار نشر «نيو دايركشنز» عشرات من كتبه المترجمة، وهناك المزيد في الطريق، بما في ذلك رواية «لقد رحل زومله – Zsömle Is Gone»، وهي رواية ساخرة عن كهربائي متقاعد مسن يعيش في الريف، ويعتقد أنه من سلالة العائلة المالكة الهنغارية.

تقول باربرا إيبلر، ناشرة دار «نيو دايركشنز»، «إن من أكثر الأشياء إثارة للإعجاب في أعمال كراسناهوركاي قدرته على نسج الفكاهة غير المتوقعة في قصص قاتمة… كل هذه الظلمة، ومع ذلك في داخله حالة من المرح المتصاعد والفارغ من التعبيرات بشكل لا يُصدق».

على الرغم من أن أعمال كراسناهوركاي غالباً ما تُشاد لطابعها السياسي، فإنه يرفض فكرة أنه يكتب قصصاً سياسية رمزية.

يقول لصحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2014: «لا أريد مطلقاً أن أكتب روايات سياسية. لم تكن مقاومتي للنظام الشيوعي سياسية، بل كانت ضد المجتمع بأسره».

ومع ذلك، غالباً ما تحتوي أعماله على انتقادات للسلطوية، وصعود آيديولوجية اليمين. كما انتقد كراسناهوركاي الزعيم الاستبدادي الهنغاري فيكتور أوربان وحزبه «فيدس»، وهو موقف محفوف بالمخاطر في وقت يواجه فيه الكتّاب الذين ينتقدون الحكومة مضايقات في كثير من الأحيان، حسبما قالت أوتيلي مولزيت، التي ترجمت نحو 6 من كتبه إلى الإنجليزية.

تقول مولزيت: «إنه يضع مرآة السخرية أمام المجتمع الهنغاري. لقد كان شجاعاً جداً في إعلان موقفه بأنه غير راضٍ عن أوربان».

وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، هنأ أوربان كراسناهوركاي على فوزه بجائزة نوبل، وقال إنه «يجلب الفخر لأمتنا».

لا يشعر كراسناهوركاي بالراحة عندما يُصوَّر على أنه متنبئ اجتماعي أو سياسي. وقد صرح بأنه لم يشعر مطلقاً بالراحة عند مناقشة أعماله، ولا يعدّ نفسه «جزءاً من الحياة الأدبية».

قال لمجلة «باريس ريفيو»: «الكتابة، بالنسبة لي، هي عمل خاص تماماً. أشعر بالخجل عند الحديث عن أعمالي الأدبية، فهذا يُشبه سؤالي عن أسراري الخاصة».

صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى