كتب

‘كرنفال القرود الثلاثة’ التونسي يجوب العالم العربي

صدرت عن منشورات المتوسط-إيطاليا، الطبعة العربية لرواية “كرنفال القرود الثلاثة”، وهي الرواية الأولى للقاص والمترجم التونسي المعروف وليد أحمد الفرشيشي، وكانت المتوسط قد أصدرتها بطبعة تونسية بالشراكة مع دار الكتاب (التونسية).

ومع أن الفرشيشي يوطّن أحداثَ روايته في تونس، ويتخذ من الإنسان التونسي عيّنة، إلا أن براعته كسارد، وقوة يديه على مسك الحكايات، و”ربما” أيضاً سرعة بديهته في النجاة من العثرات (نقول ربما لأنه يلتبس علينا أن نفهم ونحن نقرأ روايته، هل يتقصد دائماً وضعنا على حافة العثرة ثم ينجينا منها، أم أنه يكاد أن يقع فيها وتنقذه البديهة). على أية حال، فإن هذا كله جعل الرواية تتجاوز ما هو تونسي إلى ما هو عربي على نحو خاص، وما هو إنساني عموماً.

“كرنفال القرود الثلاثة”، روايةٌ في مدحِ الهشاشة، والتآكل الداخلي للإنسان، والعوالم السّفلية. انحاز فيها الرّوائيّ إلى العنف اللّغوي، والجرأة الأدبيّة التي تعرّي الوقائع وتصف، بسخاءٍ، الكارثة بمسمّياتها. في ظلّ قسوة التحوّلات والعنف الأعمى الذي تمرُّ به بلادٌ تخلَعُ عنها جلدَ الديكتاتورية، وكيف يكون الحبّ، في النهاية، خلاصاً، يهتزُّ له الضوءُ في آخر النّفق.

في الرواية استدعاءٌ عبقريٌّ للحكمةِ اليابانيّة القديمة حول وضعية القرودِ الثلاثة المعروفة، والتي تقولُ إنّ الشرّ يحاربُ بالعمى والصمَم والخرَس. تواجهُ هيام الرَّاوي بالحقيقة الجارحة، قائلةً: “أنتَ فضّلتَ العمى، وسارّة اختارت أن تغرقَ داخل أصواتها الداخليّة، أمّا شبحك الإرهابيّ فرأى الشرّ بعينيه لكنّه أغلق فمَهُ ومضى إليه”. وبين هذا الثلاثي، الرّاوي وسارّة والشبح “ك” قاتل الشهيد شكري بلعيد، يروي لنا وليد أحمد الفرشيشي، بأسلوبٍ سرديّ محتدم، وحسٍّ ساخرٍ لاذع، حكايةَ تونس المُضطربة، التوّاقة إلى الحرّية والغارقة في المآسي، محاولاً الإجابة على سؤال جوهريّ: ما الذي يحدثُ حين تديرُ ظهركَ للحياة؟

أخيراً، تقع الرواية في 336 صفحة من القطع الوسط، وفي 105 فصول، وفي 3 قرود.

ووليد أحمد الفرشيشي: كاتب ومترجم تونسي من مواليد تونس العاصمة 1980. عمل بالصحافة المحلية والعربية كما قدم برامج إذاعية وتلفزيونية.

صدر له: وحيداً أصعد إلى السماء (شعر 2013)، ولم أكن حيّا بما يكفي (شعر 2014)، وتونسيون… أحياناً (تحليل سياسي 2015)، وحكايات نيئة (قصة قصيرة 2016)، والرجل الذي (قصة قصيرة 2017). كما ترجم وليد الكثير من الروايات والكتب إلى اللغة العربية ومنها: اللص – توفيق بن بريك، الليلة العجيبة – ستيفان تسفايغ، يرى عبر الوجوه – إيريك إيمانويل شميث، مذبح الموتى – هنري جيمس. حاصل على العديد من الجوائز الأدبية والإبداعية.

من الكتاب:

لم تكن أُمُّه ترغبُ في إنجابه.

أرادت أن تُجهِضَهُ، بعد أن ضجر زوجها من نشيد كورس الأفواه الجائعة الذي يُخرِجهُ عن طوره كلّ مساء.

لكن الله أراد أمراً آخر.

أخفقتْ حشائشُ الجبل في إجهاض مَنْ سيصبحُ سيَّاف الجبل.

وسيأتي إلى الدنيا، وقد تعلَّم في رَحِم أُمِّه، كيف ينشدُ للجوع.

عندما كبرَ، وبدأ برعمُ عقله في التفتُّح، ركض وراء أُمِّه أكثر من مرَّة ليسألها لماذا أردتِ قتلي؟ ابن عمٍّ لهُ أخبرهُ بأنه نجا قبلهُ من الموت. كلُّ الأُمَّهات في الدوَّار يتشاركنَ الغريزة الفطرية في قَتْل أجنَّتهنَّ في وادي الجوع. أخبره بأنه جاء إلى الدنيا رغماً عن أنف أُمِّه.

لماذا أردتِ قتلي؟

لم تكن تجيبهُ، بل تكتفي بالنظر إليه من تحت رموشها المبلَّلة بالدموع، وتُسكِتُهُ بكسرة خبز يابسة.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى