كرنفال دراما التلفزيون متاهة الأفكار وعبث التنفيذ … كما في كل عام ، يدنو شهر رمضان المبارك ، ليأتي برفقته موسم الدراما العربية ، الذي يكتسح الشاشات العربية ، مزينا و أحيانا ملوثا هذه الشاشات بالكثير من الأعمال .
في هذا الموسم ، الذي يتقاطع مع حدث تاريخي بوزن الربيع العربي ، كنا نتوقع أن يكون المنتج أكثر مصداقية وأكثر قربا من الهم اليومي الذي يعيشه المواطن العربي من المحيط إلى الخليج ، بحيث يرصد التحولات والمتغيرات التي طرأت عليه . ولكن النتائج كانت للأسف محبطة .
من يتابع ما تقدمه الدراما العربية بشقيها الأشهرين ( المصري والسوري ) سيجد حجما كبيرا من الأخطاء التي يفترض بدراما متقدمة ألا تقع فيها . ولكي لا يكون الكلام عاما سنخصص .
نجم عربي كبير بحجم عادل إمام يقوم بتقديم عمل جديد للتلفزيون بعد ثلاثين عاما من الغياب عنه . حيث قدم في تلك الفترة مسلسلا بعنوان دموع في عيون وقحة . وقد لاقى العمل حينذاك الكثير من الاهتمام . هذا العمل الجديد يحمل اسم فرقة ناجي عطا الله وهو مسلسل تلفزيوني بوحي بوليسي أمريكي أكشن . فيه الكثير من فبركات هذا النمط من الأعمال .
العمل من تأليف يوسف المعاطي ومن إخراج رامي إمام نجل الفنان عادل . في هذا العمل يبدو التشابه بعيدا بين فكرة العمل ، وفيلم أمريكي شهير بعنوان أوشن 11 كان من تمثيل العديد من نجوم السينما في هوليوود . في الفيلم يتم تأسيس فريق ، يضم خبرات متنوعة ، لكي يسرقوا بنكا . وهي تماما نفس الفكرة التي قدمها العمل بإسقاط على المحيط العربي . واضح أن أصحاب العمل أرادو له (وهذا طبعا مبرر ) تحقيق نجاح جماهيري ومالي له . فطالما وضعنا الكيان الصهيوني في العمل ، وتاليا زرع خلية للجاسوسية أو لكسب منافع للعرب والفلسطينيين خاصة ، فإن ذلك سيعتبر جسرا نحو النجاح الجماهيري ، أما بالنسبة للنجاح التجاري ، فإن وجود نجم بجحم عادل إمام كفيل بتحقيقه .
المسلسل ، وقع كما العادة في المسلسلات العربية عندما تصنع فنا ضد الأعداء في مطب إستسخافهم ، ورسمهم بالطماعين والأغبياء واللصوص . وهذا تناول خاطىء ويسيء للإنتصارات العربية عليهم . لأن الغلبة على غبي ليست عملا خارقا . كما أن تنفيذ المشاهد وخاصة للنجم إمام فيه الكثير من الإستخفاف بعقلية المشاهد العربي . وقد ضاع أداء الفنان إمام كثيرا بين حساسية فكرة العمل وإسلوب الكوميديا الذي إعتاد على تقديمه ، فاستخدم النجم إمام الكثير من الحركات والشكليات التي حفظها الجمهور عنه في أدائه الكوميدي المسرحي والسينمائي .
مسلسل آخر لنجم سينمائي وتلفزيوني آخر هو يحي الفخراني ، الذي قدم مسلسلا باسم الخواجة عبد القادر ، تأليف الكاتب عبد الرحيم كمال وإخراج نجل الفنان الفخراني شادي .
الفكرة هنا جميلة ، وجديدة ، تتعلق بالحوار الحضاري الأزلي بين الشرق والغرب ، والعمل يحكي عن شخص إنكليزي ، يعيش في السودان ومصر ويحتك هناك بالمتصوفة وأصحاب الحضرات ، فيتقرب منهم إلى أن يسلم في نهاية المطاف . هذا على صعيد الفكرة ، لكن تنفيذ العمل حمل عبثية كبيرة ، في العديد من النواحي وخاصة فيما يتعلق بالاكسسوارت . فالمفروض أن العمل في قسم كبير منه يتناول حقبة الأربعينيات من القرن الماضي ، أيام الإحتلال البريطاني لمصر ، وتدور الأحداث بين شخوص العمل ، ليفاجئنا أحدهم في ذلك الوقت بإستخدامه الجوال . نعم الجوال فتصوروا منذ ستين عاما وبكل بساطة يستخدم الجوال ، الأمر فيه الكثير من الاستخفاف بعقل المتلقي .
ولو ذهبنا إلى الشق السوري في الموضوع ، والمقصود الدراما . لوجدنا ذات التعاطي مع الموضوع في العديد من الأعمال التي صورت في هذا الموسم . فمثلا قدم في الموسم الماضي مسلسل أقل من عادي كان اسمه أيام الدراسة . قام كاتبه بفبركة العديد من النكات والكثير من المشاغبات التي يقوم بها الطلبة ، وصاغها في نص ثقيل الدم ، وقد أنهى العمل زمنه حينذاك وقد كبرت شخصياته وصارت فيما بعد المرحلة الثانوية وحتى الجامعية . ولسوء الحظ ، أنتج من العمل جزء ثان في هذا الموسم ، ويبدو أن الكاتب ( طلال مارديني ) لم يكن قد خطط لهذا الأمر . وفكرة العمل تدور حول هذا الموضوع ، فما كان من النص وبقدرة قادر إلا أن عاد بنا زمنيا للوراء ، لكي يعود لشخصيات العمل زمن الشباب والجامعة وشقاوته . فأي حرفية تلك وأي استخفاف بعقلية المتلقي ، وكأن الحلول الدرامية عجزت ‘ن إيجاد حل يحترم عقل المشاهد أكثر .
ومن يتابع أكثر سيجد الكثير من الأخطاء المقصودة ، التي يرتكبها صناع الدراما ، بسبب قلة الحرفية أو بسبب عدم الجدية في العمل . طبعا هذا في إطار الشكل ، أما في إطار المضمون الذي هو أهم ، فهنالك الكثير من التهاون كذلك ، ولكن نرجىء الحديث فيه لمقال آخر ، بحيث تكون الأعمال قد إنتهت وبالإمكان الحكم عليها كاملا.
ما يميز هذا الموسم الدرامي الرمضاني في جزء كبير منه ، فوضى ألمت به من كل الجوانب ، مضمونا وشكلا . والظاهر أن الجمهور العربي بعيد عن مراهنات هذه الأعمال ، بحكم متابعته لمسلسل الأحداث السياسية التي تحاصره ، والتي تشكل مسلسلا حارا ما زال يعيش على وقعه منذ ما يقارب السنتين .