كلمة السر في مشهد الانتخابات الإسرائيلية الخامسة
يتوجّه الإسرائيليون إلى خوض خامس انتخابات للكنيست في أقل من 4 سنوات، مشهد يعكس حالة الأزمة الداخلية والسياسية الإسرائيلية القائمة منذ سنوات، مع احتدام التنافس والتدافع غير المسبوق والاستقطاب الحاد بين معسكر بنيامين نتنياهو والمعسكر المناوئ له والممثل بحكومة يائير لابيد، ترافق هذا المشهد انقسامات الأحزاب الإسرائيلية الأخرى التي ستعمل على خلط الأوراق بشأن المنافس الأكثر حظاً لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
استطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة التي جرت، أظهرت نتائج تشير إلى انحياز المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين المتطرف، وأن معسكر نتنياهو قد يحصل على 60 مقعداً، مقابل 56 مقعداً لمعسكر الحكومة الحالية برئاسة يائير لابيد، و4 مقاعد لـ تحالف “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” والقائمة العربية للتغيير، والذي لم يحسم أمره بشأن احتمال دعم معسكر حكومة يائير، ما يُبقي المشهد السياسي الإسرائيلي في حالة عدم استقرار، إذ يتعذر حصول أحد المعسكرين على أغلبية مطلقة تحسم الأزمة السياسية التي تراوح مكانها منذ سنوات، لتبقى كلمة السر في هذه الانتخابات تمكُّن أحد المرشحين من جمع أصوات 61 نائباً من أصل 120 كي يستطيع تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
مفتاح الحل في الانتخابات الإسرائيلية الخامسة وأحد أبرز انعكاسات النتائج المرتقبة مرهون بشكل أساسي بمعادلة التصويت لمصلحة أيٍ من المعسكرين ستكون أكبر، فإذا زادت أصوات الناخبين اليهود وانخفضت أصوات الناخبين من القائمة العربية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، فقد يتمكن نتنياهو من تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، وإذا حدث العكس، فإن ذلك يعني خفض عدد مقاعد اليمين الإسرائيلي، وهذا سيحرم نتنياهو من تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة.
الثابت الأول في معادلة الانتخابات الإسرائيلية الخامسة هو أن “إسرائيل” ما زالت تعيش أزمة نظام سياسي مستفحلة، فإذا تشكلت حكومة إسرائيلية بفارق صوت واحد فستكون حكومة ضعيفة قابلة للسقوط في أي وقت، بسبب سيطرة الدوافع الشخصية لقيادات الاحتلال الإسرائيلي التي تتصارع على السلطة في بيئة سياسية إسرائيلية هي في الأساس منقسمة متشرذمة وتعيش حالة من الصراعات غير مسبوقة.
الثابت الثاني هو أنه مهما أفرز المشهد السياسي الإسرائيلي من نتائج في هذه الانتخابات، ستبقى أي حكومة يمكن أن تتشكل خلال المرحلة المقبلة حكومة معادية للشعب الفلسطيني، وستتنكر لحقوقه وتوفر غطاء لكل جرائم المستوطنين من خلال تدنيس المقدسات وسرقة الأرض، في ظل غياب أي أفق سياسي فلسطيني يمكن الحديث عنه، سوى الالتزامات الأمنية للسلطة الفلسطينية المعروفة بالتنسيق الأمني والتي تكتفي بها “إسرائيل”، وهو ما يجعل الرؤية الفلسطينية تغيب أكثر مع هذا الواقع الإسرائيلي المأزوم الذي يعمل على إعادة إنتاج التطرف أكثر فأكثر تجاه الفلسطينيين مع كل انتخابات إسرائيلية جديدة.
الثابت الثالث، هو أن التحالفات الانتخابية للمعسكرين المتنافسين لن تستطيع تقديم أي جديد للناخب الإسرائيلي، وستبقى حالة الانقسام السياسي العميقة والاستقطاب الحاد بين المعسكرات الإسرائيلية المتنافسة تقوض من أمد أي حكومة إسرائيلية يمكن أن تتشكل، وسيبقى المشهد الإسرائيلي في حالة من عدم الاستقرار السياسي، وسيظل يعاني من أزمة الحكم حتى لو حسمت هذه الجولة من الانتخابات لمصلحة بنيامين نتنياهو، الذي ما زال يحاكم على ملفات الفساد.
الثابت الرابع، الحاضر بقوة أنه في حال عدم تمكن أي من المعسكرين من تشكيل حكومة، فمن المرجح أن يعود الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع للمرة السادسة بعد 6 أشهر فقط، في ظل حالة من الاستقطاب الحاد وعدم الاستقرار السياسي، وهذا يعد سيناريو واقعياً في قراءة المشهد الإسرائيلي، لكنه في الوقت ذاته، يعد كابوساً سياسياً كبيراً قد يحل على “إسرائيل” من جديد.
ثمة تحديات داخلية وخارجية ترافق مشهد الانتخابات وهي غير منفصلة البتة عنها، بل وتزيد من تعقيداته إزاء حالة التيه السياسي التي وصلت إليها “إسرائيل” أمام انعدام القوة السياسية داخل الأحزاب الإسرائيلية، والفشل المتكرر في إنتاج جسم سياسي حقيقي قوي يمكن أن يقود، ويرجع ذلك نتيجة إلى ظاهرة الصراعات المتصاعدة والاستقطاب والتفكك الذي يسود الأوساط الإسرائيلية.
خارجياً، أحد أبرز التحديات التي تشكل هاجساً كبيراً لـ “إسرائيل” وتؤرق مستوياتها كافة من أقصى يمينها المتطرف إلى أقصى يسارها، هو الملف الإيراني على وجه الخصوص الذي يحتل أولوية قصوى في السياسة الخارجية الإسرائيلية، ويعد عقبة في وجه كل الأوساط التي تتصارع على الحكم وتدعو إلى ضرب إيران عسكرياً لتقويض نفوذها في المنطقة.
هذا التوجه يصطدم مع حسابات الإدارة الأميركية الحالية التي لا ترغب كثيراً في عودة نتنياهو إلى المشهد في “إسرائيل” من جهة، وتعمل على حل دبلوماسي مع إيران بمشاركة القوى الدولية من جهة أخرى، في وقت تتعارض فيه المصالح بين “إسرائيل” وأميركا، وباتت الأخيرة تخشى على نفسها من فقدان الهيمنة على المنطقة من جراء طموح روسيا والصين إزاء إنهاء حالة السيطرة والهيمنة الأميركية في المنطقة، إذ إن مصالح أميركا في العقلية الأميركية مقدمة على مصالح “إسرائيل”، في وقت أصبحت الهيمنة الأميركية معرضة للخطر، خاصة بعد التطورات الدراماتيكية التي حدثت ويمكن أن تحدث في الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة.
داخلياً، هناك تحديات أساسية حاضرة أمام أي حكومة إسرائيلية يفرزها المشهد الانتخابي الإسرائيلي وتشكل معضلات ليست بالسهلة، عنوان هذه التحديات هو الأمن الاقتصادي والأمن الشخصي للإسرائيليين، وحالة عدم الاستقرار الداخلي التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي الذي تهيمن عليه المافيا والرشوة والفساد والجريمة المنظمة وتراخي القضاء، كلها معضلات أصبحت تطفو على السطح وتندرج في إطار التحديات الداخلية التي أصبحت الحكومات الإسرائيلية عاجزة عن إيجاد حل لها.
التحدي الأبرز والجديد الذي يواجه “إسرائيل” هذه المرحلة، هو التحدي الأمني في ساحة الضفة الغربية باعتبارها الخاصرة الرخوة والضعيفة، خاصة بعد تنامي قوة المقاومة الفلسطينية وظهور تشكيلات عسكرية جديدة في مدن الضفة الغربية مثل كتيبة جنين وعرين الأسود وغيرها، ونجاحها في تنفيذ عمليات نوعية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وفرضها معادلات جديدة على المشهد الإسرائيلي.
أمام هذا المشهد، تقف “إسرائيل” حائرة وعاجزة وقد سجلت فشلاً ذريعاً في مواجهة الواقع الأمني الجديد، وهو ما انعكس وخلق بيئة إسرائيلية غير آمنة، لن تستطيع أي حكومة قادمة تكون ضعيفة أو هشة إيجاد حل لها.
الميادين نت