كلمة يأس…أريد بها الأمل
“عند خط النهاية…أنتَ سبقت من لا يريد السباق”
______________________________________________
الشاعر اللبناني سعيد عقل ، يوماً، قال:
“هناك أسواق رديئة في لبنان. الدعارةُ أشرفها. والسياسة والصحافة والدين …أسوأها”.
لم يعش سعيد عقل ليرى السوق الخامسة والسادسة: الزبالة أنظفها. والبقاء بلا رئيس أفضلها. وثمة السابعة: استعراض جبهة النصرة لقوتها في الخطف، وإعادة المخطوف تحت راياتها علناً في عملية التبادل الأخيرة.
لكن الذي لا يمكن وصفه، على طريقة سعيد عقل، هو السوق العربي. السوق الذي يبيع ويشتري سلعة واحدة هي دم فقراء الوطن (بالمعنى المفهومي لكلمة وطن): انظر إلى يمني يركض حافيا خلف جدار ، وإلى يمني بالشحاطة خلف متراس، وإلى سوري يأكل أوراق الشجر، وإلى طفل في وحل، وأم تنفخ ناراً خامدة لكي تطهو لصغارها بحص الايام…ثم حدّق بلا أي تحزّب أو تعصب بثلاث قاعات في فنادق فخمة، في وقت واحد تحتضن ثلاثة مؤتمرات للمعارضة السورية:
الجفرافيا: الرياض. يديرها عادل الجبير بجملة واحدة باردة، لها عنادها غير المفهوم: “على الأسد أن يرحل بإحدى طريقتين: بالحسنى، أو بالقتال”. ومن اللهجة الصارمة يبدو الجبير وكأنه ممسك برقبة الأسد، المشهورة بطولها، ويعصره للقبول. ومن الطريقة المتكررة فالجبير يبدو مستهتراً بحقائق معينة على الأرض،حقائق لا تساعد على الحسم والجزم والعزم.
مؤتمر الرياض يقوده المسلحون ،المسلحون فقط لا غير،لانهم مسلحون .
الجغرافيا الثانية: دمشق. ويدير المؤتمر فيها، تقريباً لا أحد، لأن الأحزاب والشخصيات الموجودة لا يساعد وزنها السياسي، وكتلتها الجماهيرية، وتاريخ أدائها الجديد، على اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ. بل شعارات قابلة، كسواها سابقاً، للسحب من التداول.
مؤتمر الشيراتون يقوده المسلحون النظاميون على المتاريس والميادين، وليس لهم ممثلون في القاعات كمؤتمر الرياض.
الجغرافيا الثالثة: الحسكة. التي يديرها الأكراد أحزاباً ومجموعات ضد أحزاب ومجموعات. وبرنامج الممؤتمر يعترض على برنامجي المؤتمرين في دمشق والرياض.
مؤتمر الحسكة تقوده ميليشيات لم تتفق، بعد، على أغنية جامعة في عيد النيروز.
الجغرافيا الرابعة الفعلية: مسرح العمليات. حيث الكر والفر. القصف الجوي والأرضي. التحرير وإعادة الاحتلال . التقدم والتراجع. المفخخات والهاونات. الروس والأمريكان. وثمة جمهرة كانت، في يوم ما، شعباً اسمه الشعب السوري، أصبح لاجئاً ومهجراً ومخطوفاً وقتيلاً وجائعاً، وبلا مأوى.
في هذه الجغرافيا الشرسه…سيفوز من يحطم الطرف الثاني: الخصم، العدو، الخارج، الداخل، الراعي، المرعي. القابض على المال، القابض على الجمر، الممتلىء سلاحاً…
هذه الجمهرة ، الشعب سابقاً…لم يمثلها ، في حقيقة الأمر، أي مؤتمر، أو جهة، أو شخص، أو …أمل. إنها جمهرة التغذية السيئة للعائلة والأفواه الجائعة، فيما هي من يقدم التغذية الجيدة لساحات القتال، بالأجساد البشرية.
المعارضة في الرياض لصنع” الديمقراطية السورية”… في السعوديه.
المعارضة في شيراتون دمشق لصنع” الوحدة الوطنية”…في الشيراتون.
المعارضة في الحسكة لخلق “اللامركزية الكردية “…في المالكية.
أهؤلاء من يصنعون مستقبل سورية؟
القاعدة التراجيدية في الصراعات هي: لا تثق بمنتصر بحروب سواه.
ولا تحترم مهزوماً بحربه على نفسه.
ستمر سورية بفترة حضانة طويلة، ونقاهة مديدة، وسيرورة عسيرة، وياللأسف: كل ماهو غير ذلك…كان ممكناً لولا وجه الشبه الفادح بين النظام والمعارضة. والغريب أن يستمر المتشابهان في تحطيم المرايا.
نصيحتي : فلينزل الجميع عن الشجره العاليه .
اعملوا حكومة وحدة وطنية، بالتقاسم الوظيفي للحكم…بتوزيع المغانم على السادة، وتحميل المغارم للعبيد. هكذا تنتهي الحروب الوظيفية…عادة .
ولكن، في نفس الوقت ، لابأس أن نحب هذا الوطن مهما حاولت المؤتمرات عرقلة ذلك” !