كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، صارمًا كثيرًا، حين تحدث خلال خطابه الشهير بالكونجرس، عن تحرك أمريكي جديد لإنشاء “ميناء عام” قبالة سواحل قطاع غزة، للبدء بمرحلة إدخال المساعدات الإنسانية لسكان غزة، الذين أنهكهم الجوع والعطش والمرض والبرد، بسبب الحرب الإسرائيلي المستمرة منذ أكثر من 153 يومًا.
البعض من رأى في تصريح بايدن بأنه “خطوة جريئة” بعد فشل كل مساعي لإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، عبر المعابر الرسمية، ومحاولة منها لتحسين صورته أمام شعبه خاصة أن الرجل يخوض معركة انتخابية حامية الوطيس مع غريمه العنيد دونالد ترامب للظفر بكرسي البيت الأبيض.
فيما رأى آخرون بأنه من أكثر المخططات خطورة واعتداءً على سيادة قطاع غزة، وإعلان لبدء مرحلة إدخال “قدم غربية” للتحكم بمصير الفلسطينيين داخل قطاع غزة، مع تحركات “خبيثة” بالتعاون مع إسرائيل لاستهداف المقاومة تدريجيًا، وجعل القطاع منطقة مشتعلة بصورة دائمة.
فيما اعتقد طرف ثالث بأن تلك التصريحات بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل للاستمرار في حربها الدامية على القطاع وسكانه على قاعدة “انتم اقتلوا ودمروا ونحن سندخل بعض المساعدات”.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) للصحفيين، إن الميناء المؤقت الذي تسعى واشنطن إلى إنشائه لتسريع إيصال المساعدات إلى غزة سيستغرق التخطيط له وتنفيذه “عدة أسابيع”، مضيفًا أن الولايات المتحدة تهدف في نهاية المطاف تقديم مليوني وجبة إلى مواطني غزة يوميا.
– فخ أمريكي
وذكر البنتاجون أن العملية ربما تتضمن ألف جندي أمريكي، إلا أن القوات الأمريكية لن تكون على أرض غزة. وتابع البنتاجون أن واشنطن تعمل على وضع التفاصيل مع دول شريكة في الشرق الأوسط.
ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤول قوله إن الرصيف سيتصل باليابسة عبر جسر مؤقت.
و”رحبت” إسرائيل بالممر الإنساني البحري من قبرص الواقعة على مسافة نحو 380 كيلومترا من غزة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ليئور حياة عبر منصة إكس إن هذه المبادرة “ستتيح زيادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بعد إجراء عمليات تفتيش أمنية وفقا للمعايير الإسرائيلية”.
ومن المقرر شحن المساعدات إلى الرصيف البحري من قبرص حيث سيقوم مسؤولون إسرائيليون بتفتيشها أولاً، كما يحدث حالياً على الحدود البرية، لمنع دخول أي مواد يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.
وتواجه بعض المناطق في غزة أزمات أكبر من غيرها، ما يعني أن عملية توزيع المساعدات قد تمثل التحدي الحقيقي للخطة المرتقبة. ولم تتضح بعد أي تفاصيل حول كيفية التوزيع.
وفي وقت سابق، حذرت الأمم المتحدة من أن غزة تواجه خطر مجاعة، مشيرة إلى “عقبات هائلة” تحول دون إيصال إمدادات الإغاثة وتوزيعها في أنحاء القطاع.
وناشدت وكالات إغاثة إسرائيل بتسهيل إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى غزة، والسماح بممر آمن للقوافل الإغاثية داخل القطاع.
وفي الوقت نفسه، يتعرض بايدن لضغوط من الحزب الديمقراطي لإقناع الحليفة المقربة إسرائيل ببذل المزيد من الجهد للسماح بدخول إمدادات الإغاثة.
وقالت إسرائيل إنه لا يوجد حد أقصى لكمية المساعدات الإنسانية المقدمة للمدنيين في غزة، وألقت باللوم في بطء التسليم على قدرة الأمم المتحدة على التوزيع.
ومع أن الجانب الإنساني لما أعلنه الرئيس الأميركي من وراء ذلك المخطط هو إيصال المساعدات الإغاثية لقطاع غزة وإنشاء مستشفيات عائمة لعلاج جرحى الحرب، لكن مراقبين يرون أن هناك جانباً آخر للميناء العائم يرتبط بتشجيع هجرة الفلسطينيين طوعاً إلى أوروبا، وإلغاء أي دور لمعبر رفح البري على الحدود مع مصر، ما يعني تحكم إسرائيل بكل منافذ غزة وإنهاء أي سيادة للفلسطينيين على المعابر.
واعتبر خبير في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أن الخطة الأمريكية لإنشاء ميناء مؤقت قبالة غزة لجلب المساعدات للقطاع، هي “مسرحية ساخرة للجمهور الأمريكي، ولن تمنع حدوث مجاعة جماعية”، وفق قوله.
– لمصلحة من؟
ورفض مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، إعلان بايدن، في خطاب “حالة الاتحاد”، أن إنشاء ميناء مؤقت سيمكن من زيادة هائلة في كمية المساعدات الإنسانية التي تصل إلى غزة، مضيفًا: “لم يطلب أحد رصيفا بحريا، لا الشعب الفلسطيني ولا مجتمع المساعدات الإنسانية”، وفقا لوكالة “فرانس برس”.
وأردف: “لا الرصيف ولا عمليات الإنزال الجوي المتزايدة فوق غزة “ستمنع المجاعة بأي تعريف”، مؤكدًا أن “لجوء أمريكا الحليف الرئيسي لإسرائيل إلى مثل هذا الإجراء، هو “أمر سخيف بطريقة مظلمة وساخرة”، متهمًا إسرائيل بشنها “حملة تجويع” متعمدة في قطاع غزة”، خاصة وأن الأمم المتحدة حذرت من أن المجاعة “شبه حتمية”.
صحيفة “غارديان” البريطانية، وصفت خطة الولايات المتحدة لبناء ميناء عائم قبالة ساحل غزة بالخطوة “الجريئة” وأوضحت أنها خطة ليست سهلة، ولا تخلو من مخاوف حقيقية ترتبط من أن الإغاثة التي ستجلبها لن تكون كافية، وستكون متأخرة للغاية بالنسبة للفلسطينيين الذين يواجهون “المجاعة”.
ولفتت الصحيفة إلى أن المساعدات ستخضع لفحص من قبل المفتشين الإسرائيليين الذين سيتواجدون في ميناء لارنكا القبرصي، وهذا يعني سيطرة إسرائيل على عملية تدفق المساعدات بحجة “التدقيق الأمني”.
فيما أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إلى أنّ البنية التحتية للممر البحري الذي اقترحه بايدن سيستغرق وقتًا طويلًا، ولا يمكن أن يشكل بديلًا عن الطرق البرية لدخول شاحنات المساعدات.
وهنا أوضح الخبير الأردني في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، هشام خريسات، أنّ فكرة الميناء طرحت قبل 10 أعوام، ورفضها الاحتلال في حينه، وتم إعادة طرح الموضوع بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، من قِبَل وزير خارجية الاحتلال، حيث وافق على هذه الخطوة كلّ من قبرص واليونان.
وأشار خريسات، وفق “الاناضول”، إلى أنّ مساحة الميناء ستكون 6 كيلومترات مربعة، وسيضم مشافي عائمة تعالج نحو مليوني فلسطيني في غزة، بالإضافة لبيوت إيواء عائمة. وأضاف أنّ عمق الغاطس للسفن بالرصيف لن يقلّ عن 17 متراً، لاستيعاب جميع سفن المساعدات.
غير أنه أكّد على أنّ السفن ستذهب أولاً إلى ميناء أسدود الإسرائيلي ليتم تدقيقها وفحصها، قبل أن ترسل تحت سيطرة البحرية الإسرائيلية والمسيّرات إلى القطاع.
ويشير الخبير خريسات إلى أنّ الظاهر من هذه الخطوة هو البعد الإنساني، حيث تهدف إلى إيصال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة، إضافة إلى علاج جرحى الحرب. غير أنّه أضاف أنّ الهدف الخفيّ لإنشاء هذا الميناء، هو ارتباطه بتشجيع هجرة الفلسطينيين طوعاً إلى أوروبا، إضافة إلى إلغاء دور معبر رفح البري على الحدود مع مصر.
وذكر خريسات إلى أن إنشاء هكذا ميناء سيخرج معبر رفح عن الخدمة بالتأكيد، لأن إسرائيل لا تثق به، وتعتبره المدخل الرئيسي لأسلحة حركة حماس.
كما أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود”، أن نية بايدن تشييد رصيف بحري مؤقت على ساحل غزة انعطافة صارخة للتغطية على المشكلة الحقيقية وهي “العملية الإسرائيلية غير المتناسبة ضد غزة”.
وطالبت المنظمة، أن تركز الولايات المتحدة على وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري باستخدام الطرق ونقاط الدخول الحالية المتوفرة.
وقالت المديرة التنفيذية لـ “أطباء بلا حدود” في الولايات المتحدة، أفريل بينوا، إن “المشروع الأمريكي المتمثل في إنشاء رصيف بحري مؤقت في غزة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية هو لحجب المشكلة الحقيقية المتمثلة في الحملة العسكرية العشوائية وغير المتناسبة، التي تشنها إسرائيل والحصار العقابي الذي تفرضه”.
وأمام هذه المعطيات تبقى التساؤلات المطروحة…
الميناء البحري لمصلحة من؟ وما هدفه الخفي؟ وهل أهل غزة بحاجة لهذا المخطط بهذا التوقيت؟
صحيفة رأي اليوم الألكترونية