كنا نعيش في غرفة واحدة !

كنا نعيش في غرفة واحدة : أنا وأربعة آخرون.. وجميعنا كنا في مقتبل العمر، أي في العشرينات من أعمارنا . قال لنا صاحب البيت :

ــ يمكن أن تبقوا هنا شهرا واحدا ..

وبعد جدل قصير، عدّل وجهة نظره، وقال لنا متسامحا :

ــ لا بأس .. أترككم شهرا آخر !!

وبعد سنة طلب منا الرحيل !

لم نفعل شيئا يثير سخطه، فكنا نقدم له أجرة الغرفة في وقتها، وكان الجو الذي نعيش فيه هادئا، فالجميع يعودون إلى الغرفة في وقت متأخر، والذي يسهر منا يقوم بمراجعة مواد جامعته ، ثم ينعزل قليلا مع كتاب كم كتبه إلى أن ينام !

بعد سنة، أحس الرجل أن هؤلاء الخمسة، ليسوا طلابا، وليسوا أخوة، وليسوا عمالا.. اكتشف أنهم حزب سياسي . طريقة صوفية . ملائكة من جنس البشر. أو أنهم جزء من حركة طلابية، وقال للجار الذي يقطن الغرفة الأخرى في الدار الكبيرة : لا أصدق . إن هذا الهدوء الرقراق يذكرني بالبنزين !

وقرر طردنا، وطردنا فعلا !!

لم نكن حزبا سياسيا . الحزب السياسي يحتاج إلى أنشطة وتداول أفكار ، وترويج شعارات وملاحقات أمنية ، وهذا لم يكن موجودا . وكذلك لم نكن طريقة صوفية ، فالطريقة الصوفية تحتاج إلى طقوس محددة وعزلة وأداء روحي وهذا لم يكن موجودا . ولم نكن ملائكة، فقد كنا نقف في رتل خماسي للدخول إلى الحمام، ونأكل الحمص والفول والفلافل أما الملائكة فهي أجسام نورانية ليست بحاجة إلى هذا القرف .

أما توقعه أن نكون جزءا من حركة طلابية ، فهذا ممكن لأننا جميعا في سن الجامعة ، وثلاثة منا كانوا مسجلين فيها ويثابرون على الدراسة والنجاح .. ولكن توقعه بعيد نسبيا لأن أحدا من طلاب الجامعات لم يكن يقوم بزيارتنا ..

طردنا صاحب البيت . صاح بنا بصوت عال :

ــ لا أريدكم لا أنتم ، ولا أجرة هذا الشهر . سامحتكم فيها .. اخرجوا خلصوني من جحيم هذا الشك الذي عيشتموني فيه !

خرجنا دفعة واحدة، وجلسنا عند باب البيت، وأمام كل منا حقيبته وكتبه، وسمعنا غناء صاحب البيت الفرح بالخلاص منا . كان يترامى من الداخل مزعجا، فنظرنا في وجوه بعضنا البعض ، وضحكنا ، وبعد صمت قال واحد منا:

ــ معه حق . لقد كنا نقرأ !

ومن يقرأ سيكون جاهزا لتشكيل حزب سياسي أو لاعتناق طريقة صوفية ، أو ليتحول إلى ملاك، أو ليقود حركة طلابية ، بمعنى آخر يمكن أن يكون وقودا يشبه البنزين ..

وانتشرنا في الأرض نبحث عن غرفة جديدة !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى