كورونيات 2
ـ 1 ـ
روبرت مكنمارا ـ وزير دفاع أمريكا في حرب فيتنام يحاضر في نادي روما 1979:
“إن الارتفاع الصاروخي لعدد سكان العالم يفرض علينا اليوم، وليس غداً، أن نمنع وصول عدد سكان الكرة الأرضية إلى 10 مليارات.
ولدينا خياران: إما تخفيض معدّل الولادات، أو رفع معدّل الوفيات. وهذا يمكن الحصول عليه من خلال الحرب والأوبئة.”
هذا الرجل، بعد أن قتل ما يزيد عن 5 ملايين فييتنامي، يصرّح أمام أحد النوادي: “حرب فييتنام لم تكن ضرورية أبداً… بل كانت غلطة”.
ـ 2 ـ
عشت منع التجوال، أول مرة، يوم انفصال الوحدة السورية المصرية 28 أيلول/ سبتمبر 1961. رأيت لأول مرة الدبابات، واختفاء البشر، وموت المدينة.
والمرة الثانية في 23 شباط/ فبراير 1966 أحد انقلابات سلطة البعث. ويومها رأيت الدبابات، واختفاء البشر، وموت المدينة.
وهذه هي المرة الثالثة… انقلاب كوني لا مثيل له، يقوده جنرال تافه اسمه “كورونا” في 26 آذار/ مارس 2020.
وقفت على الشرفة…
وقفت على حافة المعاني في هذا الصمت العميق.
كانت الشوارع بلا أية علامة على وجود الحياة.
كان الصمت مقبرة أفكار حول نشوء وتطور وانقراض الحضارات. كانت دمشق تبدو كأنها نائمة، واختفاء البشر كان نعاساً أمام التلفزيون. وأنا كنت حيّاً حتى أطراف أصابعي…
ولكنني…
كنت أرى بعين المحب، ولهفة العاشق، وبصيرة النادم، وانحناءة المعتذر، وتلعثم الآسف…
كنت أرى دمار هذا العالم.
ـ 3 ـ
سئل صانع الروبوت الأول في اليابان عن ضرورة مثل هذا الاختراع. وكان يمكنه الإجابة بأن الروبوت أسرع في إنجاز مهمات يقوم بها البشر. وكان يمكنه الإجابة بضرورة توفير اليد العاملة ومتطلبات الضمان الصحي وتعويضات الشيخوخة.
ولكنه قال: ان الروبوت لا يشرب الساكي (العرق الياباني) في “الويك إند”، فلا يأتي متأخراً ومترنحاً يوم الاثنين.
……………….
عندما هجمت بربرية كورونا لتفحص تمدنية الروبوت… تذكرت العامل الياباني الذي يجلس، الآن في بيته، يحتسي الأقداح الملونة للساكي المثلج، مادّاً لسانه لروبوتات لم تتوقف عن العمل.