كيفية إصلاح الاتفاق النووي مع إيران (دينيس روس)

 

دينيس روس

مع وصول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزراء آخرين إلى جنيف في نهاية الأسبوع الماضي، ارتفعت التوقعات بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق محدود حول البرنامج النووي الإيراني. وذلك لم يحدث، غير أن الاجتماع التالي تقرر انعقاده بالفعل في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، ورغم أن النقاش سوف يحتدم على الأرجح حول ما إذا كان التوصل إلى اتفاق محدود له معنى في الوقت الراهن، إلا أن هناك فائدة من الرجوع خطوة إلى الوراء والسؤال عما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة وما يمكن أن يجعل ذلك الاتفاق مقبولاً.
وبادئ ذي بدئ، تجدر الإشارة إلى أن سياسة "التجميد مقابل التجميد" كانت اقتراحاً تقدم به خافيير سولانا، الذي كان ممثلاً للاتحاد الأوروبي وسعى إلى بدء محادثات مع نظرائه الإيرانيين في عام 2007. وكانت الفكرة تقوم على أن يجمد الإيرانيون تطوير برنامجهم النووي – أي تخصيب اليورانيوم وإنتاج أجهزة الطرد المركزي – مقابل تجميد العقوبات على إيران. وفي ذلك الوقت، لم يكن البرنامج النووي الإيراني قد نجح في تجميع مواد تكفي لصنع حتى ولو قنبلة واحدة وكان عدد أجهزة الطرد المركزي لديها ضئيل مقارنة بالأجهزة المركبة والعاملة اليوم – وفي حين دعمت إدارة بوش ذلك الاقتراح، إلا أنه لم يكن جزءاً من المفاوضات الأوروبية الثلاث المباشرة مع الإيرانيين.
ولم يقبل الإيرانيون مطلقاً فكرة "التجميد مقابل التجميد"، رغم أنه كان متصوراً لها أن تكون خطوة أولى في عملية للتوصل إلى اتفاق أوسع. واليوم، فإن إدخال تغيير على فكرة التجميد مقابل التجميد، أيضاً كخطوة أولى في عملية، قد تكون وشيكة. ويقيناً إن الحقائق مختلفة كثيراً عما كانت عليه منذ ستة أعوام. فاليوم إن الولايات المتحدة منخرطة بقوة في المفاوضات؛ وقد جمعت إيران يورانيوم مخصب يكفي لتصنيع ست قنابل، وأنتجت نحو 19000 جهاز طرد مركزي، من بينها ما يزيد عن ألف من الجيل المقبل من أجهزة الطرد المركزي IR-2 ، التي ربما تكون فعاليتها خمسة أضعاف فعالية الأجهزة السابقة IR-1؛ وهي تبني محطة مياه ثقيلة قادرة على إنتاج البلوتونيوم. وبطبيعة الحال، وعلى عكس السنوات الست السابقة، يرزخ الإيرانيون تحت وطأة العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة.

إن الاتفاق الذي تم التمهيد له في جنيف والذي قد يظهر للنور قريباً ربما لا يوصف بأنه تجميد مقابل تجميد وإنما "سقف مقابل سقف" – بمعنى أنه سيكون هناك سقف على البرنامج النووي الإيراني وسقف على العقوبات الجاري فرضها على الإيرانيين. وسوف يعلق الإيرانيون بصفة أساسية تخصيب اليورانيوم حتى 20 في المائة، ثم سيبدأون في عملية تحويله إلى وقود أو تخفيفه إلى شكل آخر أقل نقاءً، مع عدم زيادة عدد الأجهزة الطرد المركزي العاملة. وفي حين يُشغِّل الإيرانيون نحو 10,000 جهاز طرد مركزي، وهو عدد أكثر قليلاً من نصف ما أنتجوه بالفعل، إلا أنهم لن يزيدوا من العدد الإجمالي. بيد أنهم سيكونون قادرين على استبدال أجهزة الطرد المركزي التي تتعطل، وهذا يعني أنه سوف يُسمح للإيرانيين بمواصلة تخصيب اليورانيوم عند مستوى من 3.5 إلى 5 في المائة. وهكذا سوف يوضع سقف للتخصيب فقط على مستوى اليورانيوم الذي تمت تنقيته وليس على الكمية التي لا يزال من الممكن إنتاجها.
وهناك جانب هام آخر في البرنامج النووي الإيراني الذي لا يزال يمثل مشكلة الآن في الاتفاق الجاري الإعداد له. ويتمثل ذلك في محطة المياه الثقيلة التي يشيدها الإيرانيون في أراك. ويبدو أن المشكلة هي حول ما إذا كان سيتم تعليق العمل فيها بالكامل خلال فترة الستة أشهر من اتفاق "الخطوة الأولى". إن المياه الثقيلة قادرة على تمكين الإيرانيين من تحقيق انفراجة أخرى في الطريق لإنتاج قنبلة نووية – سواء من خلال البلوتونيوم أو من خلال تخصيب اليورانيوم إلى درجة تصنيع الأسلحة. وبالتأكيد، أنه إذا لم يتم وقف العمل في مفاعل أراك، فسوف يكون بوسع الإيرانيين الاستمرار في الطريق الذي يمكنهم من إنهاء بناء المحطة بحلول نهاية عام 2014؛ وحالما تدخل تلك المحطة إلى الخدمة فإنه سيتعذر الهجوم عليها دون تسرب إشعاعات من النوع الذي حدث في مفاعل تشرينوبيل، في المنطقة المحيطة والغلاف الجوي. وفي الواقع إن تجنب احتمالية تسرب الإشعاعات كان السبب وراء قيام الإسرائيليين بمهاجمة مفاعل أوزيراك في العراق عام 1981 والمفاعل السوري في الكبار عام 2006 قبل دخولهما مرحلة التشغيل.
وباختصار، فإن الاتفاق الناشئ سيضع سقفاً لكنه لن يضع حداً للبرنامج النووي الإيراني برمته. وفي مقابل ذلك، لن يتم رفع نظام العقوبات، وإنما تخفيف جزءاً منه فقط. وفي حين أن العقوبات التي تحد من قدرة الإيرانيين على بيع النفط وإجراء المعاملات المالية المعتادة لن يتم الاقتراب منها، إلا أنه سوف يُسمح للإيرانيين بحرية الوصول إلى نحو 15 مليار دولار من عملتهم الصعبة في المصارف الأجنبية، وتداول الذهب والمعادن النفيسة، بما يمكنهم على ما يبدو من استيراد مواد محدودة لبعض من صناعاتهم المحلية.
وهناك ملاحظة أخرى بشأن هذا الاتفاق الناشئ: أن الهدف منه أن يكون الخطوة الأولى التي تسبق ما يمكن أن يوصف بأنه تعريف متفق عليه للطاقة النووية المدنية التي سوف يسمح لإيران بامتلاكها. ومن جانبها، ترى الولايات المتحدة أن العامل الرئيسي هو التأكد من أن البرنامج النووي الإيراني لا يضع إيران على طريق امتلاك قدرات تجاوز العتبة النووية التي تسمح لها بالتحرك بسرعة أو في وقت من اختيارها لإنتاج أسلحة نووية. وبالنسبة للإيرانيين، فإنه سيكون بوسعهم التخصيب، كما أن القيود على برنامجهم لن تكون انتقائية ولن تقضي على الإنجازات الأساسية التي حققوها. ومن الناحية النظرية، يجب أن يكون هناك سبيل لتجسير الفجوات إذا كانت لدى الإيرانيين رغبة فعلية في امتلاك قدرات نووية سلمية يمكن التحقق منها.
وفي هذه المرحلة، يبدو أن إدارة أوباما وشركائها في المفاوضات يؤمنون بأن الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية ظريف مستعدان للحد من برنامج إيران النووي لكنهما لا يستطيعان في هذه المرحلة الذهاب بعيداً عما تحتاجه الولايات المتحدة في هذا الصدد والذي يتمثل بتراجع بلادهما كثيراً عن بنيتها التحتية النووية – ولا تستطيع واشنطن رفع العقوبات المكبلة عن الإيرانيين ما لم يفعلا ذلك. فمن ناحية، تحتاج الولايات المتحدة إلى الوقت للتفاوض على اتفاق أبعد نطاقاً، أو على الأقل اختبار ما إذا كان ذلك ممكناً؛ ومن ناحية أخرى، لا تريد أن يستمر الإيرانيون في تعزيز برنامجهم النووي خلال الفترة البينية. وبالتالي فإن ما يُطلق عليه اتفاق الخطوة الأولى مصمم بهدف كسب الوقت لصالح واشنطن من خلال وضع سقف أو تقييد البنية التحتية النووية الإيرانية وتطويرها؛ وفي مقابل القبول بذلك السقف سوف يحصل الإيرانيون على تخفيف محدود للعقوبات. وترى الإدارة أن الولايات المتحدة تحتفظ بنفوذها لأن نظام العقوبات الأساسية سيظل سارياً وأن الاقتصاد الإيراني لا يستطيع استعادة عافيته دون إنهاء ذلك النظام.

وهنا تكمن المعضلة مع الإسرائيليين وغيرهم في الشرق الأوسط: إنهم يخشون من أن يؤدي التخفيف المحدود للعقوبات إلى إضعاف نظام العقوبات سريعاً. وعلى الرغم من إدعاءات الولايات المتحدة بأن هيكل العقوبات سيظل مطبقاً، إلا أن هناك اعتقاد واسع النطاق في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن العديد من الحكومات والقطاعات الخاصة سوف ترى انفراجة وسوف تكون مقتنعة بقدرتها على بدء مزاولة الأعمال التجارية مرة أخرى. ومع بدء التعامل مع الإيرانيين، سوف يرى الإيرانيون أن العقوبات ستنتهي وأنهم ببساطة بحاجة إلى التمسك بموقفهم وعدم تقديم أي تنازلات. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن الخطوة الأولى ستكون هي الأخيرة وأن البرنامج الإيراني، حتى لو وُضع سقف له، سيكون عند عتبة مرتفعة جداً تمكنه من امتلاك قدرات تجاوز العتبة النووية. وهم لا يرون أي سبب لتنازل الولايات المتحدة عن نفوذها وإطلاقها العنان للإيرانيين.
ومن جانبها، تؤمن الإدارة الأمريكية أنها لا تفعل ذلك. فهي ترى أن الاحتياجات الاقتصادية الإيرانية لا تزال كبيرة، وأن التخفيف المحدود يمكن روحاني كسب مساحة سياسية أكبر وكذلك السلطة لخوض مفاوضات إضافية – وهذا شئ يجب عليه أن يفعله لكي تتعافى إيران اقتصادياً في وقت تتنامى فيه التوقعات مرة أخرى بين عامة الإيرانيين. إن تحطيم تلك التوقعات لن يضعف روحاني فقط لكنه سوف يهدد النظام ذاته في النهاية – أو هكذا تعتقد الإدارة الأمريكية على ما يبدو. وعلى هذا النحو، ترى أن الاتفاق المحدود لن يضعف الموقف التفاوضي الذي تتخذه واشنطن ولا هيكل العقوبات. [والسؤال هو] هل يمكن تجسير هذه الفجوة بطريقة تخدم كذلك هدف إضعاف البرنامج النووي الإيراني؟
أعتقد ذلك.
أولاً، يجب على الولايات المتحدة أن تكون واضحة في أن تخفيف العقوبات سيكون محدوداً في الواقع ولن يؤثر على تطبيقها للعقوبات القائمة ومن يحاولون مراوغتها. وسوف تستمر واشنطن في السعي بقوة للوصول إلى جميع الثغرات والمساعي الرامية لمراوغة العقوبات. وهذا يعني كذلك أنه يجب على الولايات المتحدة أن تواصل التأكيد على التكاليف التي ستلحق بسمعة أي شركات تسعى لاستئناف نشاطها التجاري بشكل مباشر أو غير مباشر مع إيران.

ثانياً، في الوقت الذي طلبت فيه الإدارة الأمريكية من الكونغرس الإحجام عن تبني عقوبات جديدة في الوقت الراهن حتى لا يؤدي ذلك إلى إضعاف موقف روحاني، أعتقد أنه يجب على واشنطن أن تعترف ايضاً بأهمية بعث رسائل إلى الإيرانيين وغيرهم مفادها أنه سيكون هناك تشديد للعقوبات إذا ما فشلت الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق نهائي. لقد أصبح روحاني رئيساً بسبب التكلفة المرتفعة للعقوبات. يجب أن لا تكون هناك أية أوهام حول ما سيحدث حال فشل الدبلوماسية في الحد بشكل كبير من البرنامج النووي الإيراني. ولا تُسدي واشنطن أي معروف لروحاني إذا ترسخ اعتقاد بأنه لن تكون هناك أي عقوبات إضافية – حتى لو لم تكن هناك أي اتفاقات أخرى. ومن هذا المنطلق لماذا لا تقبل الولايات المتحدة نهجاً يقوم على إقرار الكونغرس للموجة التالية من العقوبات لكنه يوافق على عدم تطبيقها إلا بعد انتهاء فترة الستة أشهر من مدة اتفاق الخطوة الأولى أو وجود فشل واضح للدبلوماسية.

ثالثاً، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون أكثر وضوحاً حول ما تعنيه بالحد من البرنامج النووي الإيراني وذلك على الأقل مع أصدقائها المشغولين بما يرونه تحمساً من جانب واشنطن لأي اتفاق مع الإيرانيين – وهذا التصور أكثر رسوخاً لدى أصدقائها العرب منه لدى الإسرائيليين. إنني أدرك عدم رغبة المسؤولين الأمريكيين في التفاوض مع أنفسهم وعدم التنازل عن النتائج النهائية، لكن أحد الأسباب التي تجعل اتفاق الخطوة الأولى يبدو مزعجاً للإسرائيليين وغيرهم هو أنهم لا يعرفون ما تقصده واشنطن من الاتفاق السيئ في نهاية المطاف. يبدو أنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة متحمسة لتجنب استخدام القوة، في ضوء الرأي العام، لدرجة أنها ستقبل بأي شيء. تحتاج واشنطن إلى توعية الآخرين، وإن سراً على الأقل، بأن الوقاية تظل الهدف وأن ذلك معناه دائماً أنه حال فشل الدبلوماسية فإن استخدام القوة هو النتيجة المحتملة. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي عليها أن توضح أيضاً أن لديها عدداً من المتطلبات المطلقة للتوصل إلى اتفاق نووي نهائي. يجب على إيران أن تخفض من عدد أجهزة الطرد المركزي لديها بشكل كبير، وأن تشحن جميع اليورانيوم المخصب إلى خارج البلاد، وأن تقوم، كحد أدنى، بتحويل محطة المياه الثقيلة إلى مفاعل يعمل بمياه خفيفة. وباختصار، يجب على الولايات المتحدة أن تكون أكثر وضوحاً بأنها تعرف طريقها في المسألة النووية مع إيران.

وتكمن مزايا الوضوح في هذه الطريقة أنها لا تبعث برسائل تحذير للإيرانيين فحسب بل تُطمئن أيضاً أصدقاء واشنطن في المنطقة. وقد يمثل ذلك أهمية خاصة في الوقت الذي تحتاج فيه الإدارة الأمريكية إلى إرسال رسالة باستثناء ما تقوم به من تقليل مصالح الولايات المتحدة ورهاناتها في المنطقة وأن لديها هدفاً أكثر أهمية تسعى إليه في أماكن أخرى من العالم.

نيو ريبليك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى