كيف رد الإسرائيليون على القمة العربية وقراراتها بإعادة نتنياهو وأكثر أحزاب اليهود كراهية للعرب والمسلمين؟
بينما كانت المبادرة العربية للسلام وإعادة التأكيد على التمسك بها كحل نهائي للقضية الفلسطينية أبرز قرارات القمة العربية في الجزائر، جاء الرد الإسرائيلي سريعا و”مفحما” بإعادة بنيامين نتنياهو، والكتلة الليكودية الدينية الكهنوتية العنصرية المعادية للعرب، الى الحكم في دولة الاحتلال في الانتخابات التشريعية الأخيرة وجرت، ويا لها من مصادفة في اليوم الأول لأجتماع رؤوسائها.
الإسرائيليون الذين شاركوا في الانتخابات التشريعية (الكنيست) صوتوا للأحزاب الدينية العنصرية بدافع الكراهية للعرب، وتبني السياسات التي تطالب بقتلهم وطردهم من كل فلسطين المحتلة، وتكريس الهوية اليهودية الصهيونية لدولة الاحتلال هذه.
حزب “القوة اليهودية” الذي حصل على 15 مقعدا، وتتزعمه أكبر شخصيتين عنصريتين في تاريخ الدولة العبرية القصير، وهما قائده بتسائيل سمو تشريش، ونائبه ايتمار بن غفير، سيكون العمود الفقري لحكومة نتنياهو، بإعتباره يحتل المرتبة الثالثة، وقد يتربع على أهم وزارتين وهما الأمن (أي الدفاع) والأمن الداخلي، وستكون له الكلمة الأخيرة في معظم قرارات الحرب المتوقعة.
زعيم هذا الحزب الذي سيكون أبرز شركاء القادة العرب الموقعين على اتفاقات السلام، قديمها وحديثها، ومستقبلها، طالب بقتل العرب، وطردهم، ولف جثامين الشهداء بجلد الخنزير “تكريما” لهم، ولا نستبعد ان تفرش له، ولنتنياهو رئيسه، وزملائه في الحكومة، العواصم العربية التي سيزورونها السجاد الأحمر وسيكونون والوفد المرافق ضيوفا أعزاء، يتنعمون بالكرم وحسن الضيافة العربيين.
لا فرق بالنسبة الينا بين الائتلاف الفائز، والائتلاف المهزوم (لابيد ـ غانتس) فكلاهما يلتقيان على العداء والكراهية لكل شيء إسمه عربي ومسلم، ويكفي التذكير بأن الجنرال بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي في الحكومة السابقة، كان يتباهى بأنه أكثر إسرائيلي قتل عربا، وهذا صحيح فأن حكومته قتلت 166 شهيدا فلسطينيا منذ بداية العام، ولهذا نعيد ونقول انه “قد يأتي الخير من باطن الشر”، ومن غير المستبعد ان تسرّع هذه الحكومة الأكثر عنصرية بزوال دولة الاحتلال، ووصولها الى نهايتها المحتومة، ليس على أيدي الجيوش العربية المتكرشة، وإنما على أيدي رجال المقاومة الفلسطينية وحلفائها العرب والمسلمين، وصواريخهم ومسيرّاتهم وعمليات مقاومتهم.
هناك ثلاث خطوات قد تقدم عليها حكومة نتنياهو وائتلافه العنصري المتطرف فور إكتمال تشكيلها وتسلمها للسلطة:
الأولى: العودة الى احياء تطبيق صفقة القرن، وضم الضفة الغربية، وترحيل معظم الفلسطينيين من أهلها الى الأردن بإعتباره في نظرها الوطن البديل.
الثانية: تصعيد الإقتحامات للمسجد الأقصى، وتكريس السيطرة اليهودية عليه، وطمس هويته العربية والاسلامية، بالنظر الى قادة هذه الكتلة العنصرية، ولا نستبعد ان تكون الخطوة الاولى بتقسيمه على غرار الحرم الابراهيمي في الخليل، والثانية هدمه وإقامة كنيس الهيكل المزعوم على انقاضه.
الثالثة: الغاء إتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، او تجميدها، على غرار ما حدث لاتفاقات أوسلو مع الفلسطينيين، فنتنياهو قال ذلك صراحة اثناء حملته الإنتخابية، فإستخراج الغاز والنفط من حقل “كاريش” بدأ فعلا، اما حقل قانا الذي جرى الإعتراف بلبنانيته “جزئيا” فلم تُجر أي عمليات مسح او تنقيب فيه حتى هذه اللحظة، وربما لن يتم السماح بذلك قريبا، والضمانات الامريكية لم تضمن تطبيق ولو 1 بالمئة من اتفاقات أوسلو، فهل ستضمن حقوق الشعب اللبناني؟
نتنياهو يعود الى الحكم في دولة مهزومة، مرعوبة، تسودها الإنقسامات، والصراع الداخلي المتصاعد، والأهم من كل ذلك وجود إنتفاضة مسلحة، وشعب يستعيد عافيته، وينفض عن نفسه غبار الإستسلام ويعود للمقاومة المسلحة بقوة في جميع الأراضي العربية المحتلة.
نحن نتحدث هنا عن “عرين الأسود” التي تتوسع دائرتها السياسية والعسكرية وتزداد حضانتها الشعبية قوة وصلابة، فلا يمر يوم دون ان تُقدم كوادرها الشابة على تنفيذ عملية فدائية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، دهسا او طعنا او إطلاق الرصاص الحي، فبالأمس كانت نابلس وجنين واليوم تنتقل الى الخليل، وغدا الى رام الله وبعد غد الى المناطق المحتلة عام 1948، والحبل على الجرار.
ربما ينجح نتنياهو في ضم حكومة عربية او اثنتين الى إتفاقات ابراهام للسلام المسموم التي فرضها بالقوة على بعض الحكومات العربية بضغط وترهيب من إدارة دونالد ترامب وصهره وتلميذه النجيب جاريد كوشنر (تلميذ نتنياهو)، ولكن مثل هذه الحركات البهلوانية لن يكون لها أي قيمة في ظل “صحوة” الشعب الفلسطيني وعودته الى ثوابت المقاومة.
نتنياهو العائد لا يمكن ان ينسى معركة “سيف القدس” التي أذلته وأهانته، وعزلت بصواريخها المنطلقة من قطاع غزة دولة الاحتلال لأكثر من 11 يوما، ودفعت أكثر من 6 ملايين مستوطن إسرائيلي بالعيش في الملاجئ تحت الأرض، وهذه الصواريخ ما زالت موجودة وجاهزة ومعها المئات من المسيّرات، وربما يمكن تذكيره أيضا كيف هرب مذعورا من لقاء انتخابي في مدينة اسدود (مسقط رأس اجدادي) هربا من الصواريخ الـ 400 التي أطلقتها حركة “الجهاد الإسلامي” انتقاما لإغتيال شهيدها وقائدها الميداني بهاء ابو العطا.
“إسرائيل” التي يعود نتنياهو الى حكمها ليست إسرائيل التي تركها، كما ان العالم الذي كان يعرفه نتنياهو عندما كان يتربع على عرش الحكم، ليس العالم اليوم، فداعمته أمريكا غارقة في حرب استنزاف غير مسبوقة في أوكرانيا، وابن عقيدته فولوديمير زيلينسكي خسر حتى الآن ما يقرب من خمس أراضي بلاده، وباتت عاصمتها كييف محرومة من الكهرباء والماء بفعل القصف الصاروخي الروسي عليها في الأيام الأخيرة، انتقاما للهجوم على الأسطول الروسي في شبه جزيرة القرم.
ندرك جيدا ان نتنياهو صديق حميم لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، ولكن هذه الصداقة تعمقت قبل حرب أوكرانيا، والوضع تغير الآن، وبات عليه ان يختار بين أمريكا وروسيا، ولا حل وسط مهما طالت المناورات ومحاولات التهرب والتضليل، وأيا كان خياره سيكون الخاسر الأكبر.
“عرين الأسود” غيرت كل المعادلات وقواعد الاشتباك في فلسطين المحتلة، وربما بالعالم العربي أيضا، و”سترحب” بنتنياهو وعودته للسلطة بطريقتها الخاصة.. والأيام بيننا.