كيف سقط نجوم التسعينيات من سماء الدراما العربيّة؟
تطول لائحة نجوم الدراما الذين تعرّف إليهم المشاهد في فترة التسعينيات من القرن المنصرم، ثمّ تراجع حضورهم، لخيارات شخصيّة أو إنتاجيّة يفرضها رأس المال. وبنظرة سريعة إلى نجوم الدراما بين مصر وسوريا ولبنان، يبدو البحث عن أبرز ممثلي التسعينيات أمراً صعباً. فممثلون مثل محمد رياض ووائل نور في مصر، أو نورمان أسعد في سوريا، لم يعد لهم أيّ حضور يذكر في المسلسلات التي تنتج سنوياً. وتتسع القائمة لتضم أسماء لمعت في سنوات ما قبل التسعين، بأدوار البطولة، تراجعت إلى الصفّ الثاني خلال العقد الماضي، أمثال آثار الحكيم وسلمى المصري.
لا تنسحب هذه الحالة على الخليج العربي، حيث ما زالت الأسماء التي سطعت منذ الثمانينيات حاضرة حتى اليوم، أمثال حياة الفهد، وسعاد عبد الله، وناصر القصبي، وعبد الله السدحان. فيما يبذل النجوم الشباب جهداً كبيراً لمنافسة الجيل القديم.
وتتباين أسباب الغياب، بين الإصرار على البطولة المطلقة أو طرح مواضيع مكرَّرة ومستهلكة، وبين خيارات إنتاجية أو أخرى يفرضها واقع الشللية في الدراما العربية. ويرى مراقبون متابعون للوسط الفني في سوريا، أنَّ هناك ممثلين سوريين قد حقَّقوا نجوميّة كبيرة خلال فترة التسعينيات، وبعضهم لمع اسمه من خلال أعمال أنتجها القطاع العام صاحب الغلبة في الإنتاج في تلك الفترة. لكنّ أولئك الممثلين لم يفلحوا في اختراق منظومة العلاقات التي كانت تسيطر على آلية العمل في القطاع الخاص الآخذ بالصعود، مما أدّى إلى تراجع حضورهم. ذهب بعض الذين قدمهم القطاع الخاص كنجوم مطلع الألفية الجديدة، إلى خيارات أخرى، كالتحول إلى منتجين أو مخرجين أو محاولة دخول سوق الدراما المصرية، مثل سوزان نجم الدين، وفراس إبراهيم، ووائل رمضان، لكنهم لم يوفقوا كثيراً فتراجع حضورهم. في حين اختارت أسماء أخرى الاعتزال لأسباب خاصة، كما حصل مع نورمان أسعد.
وبحسب مراقبين للقطاع، فإنّ سيطرة الإنتاج الخاص على السوق، أدّت إلى فرض اعتبارات جديدة تتحكم بصعود النجوم، وذلك بناء على طلب المحطَّات، لنصل إلى لائحة ثابتة من نجوم الصفّ الأول، لم يطرأ عليها تغييرات جديّة في السنوات الأربع الأخيرة، مثل تيم حسن، وجمال سليمان، وسلاف فواخرجي، وأمل عرفة ولاحقاً عبد المنعم عمايري، سلافة معمار وديمة قندلفت. ومع اندلاع الحرب في سوريا، طرأ تغيير نوعيّ، إثر سفر معظم النجوم، واضطرار المنتجين إلى البحث في الدفاتر العتيقة، فصعدت أسماء إلى تترات الأعمال مجدداً مثل لينا حوارنة، وضحى الدبس التي اضطرت للابتعاد عن التمثيل لسنوات بعد عدم تمكنها من تحقيق اختراق في علاقات شركات الإنتاج، بحسب المراقبين.
بدوره يرى الناقد الفني شريف ثابت أنّ غياب نجوم التسعينيات مرتبط بشكل مباشر، بحالة السينما. برأيه فإن نجوم التسعينيات أسماء قليلة تبقى من الأجيال التي صعدت أواخر الستينيات، ولمعت واستمرت مع من ظهر خلال السبعينيات والثمانينيات. وفي عقد التسعين، فقد تفاقمت أزمة السينما وتراجع الإنتاج لعوامل اقتصادية عدّة، تزامناً مع ظهور فئة من المنتجين (الأرزقية) اتجهوا لصناعة أفلام رديئة المستوى. يقول ثابت لـ«السفير»: «مع بدء موجة سينمائيّة جديدة بفيلم «اسماعيلية رايح جاي» صيف العام 1997، انصرف الجمهور لوجوه طازجة لم يتجرّعها طيلة عقود فائتة، وموضوعات بسيطة قريبة منه، وحاول نجوم التسعينيات المقاومة باستماتة، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل مع اعتمادهم على كوادرهم القديمة في التأليف والإخراج بل والإنتاج، فتساقطوا الواحد تلو الآخر، بعد تجارب فاشلة مؤلمة».
ويرى ثابت أنّ المشهد ينسحب على الدراما التلفزيونيّة وإن بشكل أقلّ. فالدراما المصرية مرت بمرحلة عنفوان طويلة متصلة من أواخر السبعينيات حتى أواخر التسعينيات، لتبدأ أمراض التكرار والاستسهال تظهر حتى على الرواد الكبار. «مع انحسار الإنتاج السينمائي بدأت هجرة الكوادر السينمائية للتلفزيون، بوجوه مختلفة ومواضيع متقدمة، فمقابل مسلسلات دورية لعادل إمام وخالد الصاوي والراحل خالد صالح وغادة عبد الرازق، تتراجع فرص نور الشريف وفاروق الفيشاوي وعبلة كامل التي لمعت سينمائياً لفترة قريبة، مع كل ما يرتبط بهم من مواضيع تقليدية ومخرجين متأخرين، مع انخفاض نسب مشاهدة مسلسلاتهم».
صحيفة السفير اللبنانية