كيف سيكون حال العرب في نهاية الألفية الثالثة؟

تمر الأمم عبر التاريخ بفترات من الصعود والهبوط، الحياة والموات. ومثلها مثل أي كائن تولد وتنمو وتمرض وتكبو ويكون مصيرها مرتبطا بقدرتها على المقاومة والصمود والتكيف مع المتغيرات. والمنطقة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج بنسيجها الاجتماعي المتنوع تمر الآن بمرحلة حرجة ومقلقة، بعد أن تعرضت لعدة زلازل كبيرة بمضاعفات خطيرة.

بدأت تلك الأحداث المدمرة في عام 1990 بالكويت ثم رست في العراق عام 2003 وتواصلت في هزات كبرى وصولا إلى عام 2011 حين دخل عدد من الدول العربية في “ربيع” دام ومدمر سقطت فيه أنظمة وتشظت دول وغرقت في فوضى عارمة، ولم تستطع استعادة عافيتها حتى الآن، بل هي تسير إلى الأسوأ.بطبيعة الحال، يمكن بسهولة القول إن ما يحدث مرحلة تحول “ديموقراطي” باستحقاقات صعبة وبإرث ثقيل، وإنه من الطبيعي أن يكون لمثل هذه الحالات “المرضية” والعمليات “الجراحية” المعقدة والكبيرة مضاعفات وآثار سلبية، وإن الحمى والنزيف والوهن الراهن وكل تجليات الحاضر عابرة وستزول مع الزمن وتستعيد هذه الدول عافيتها واستقرارها بعد أن يزول تأثير “المخدر” وتلتئم الجراح.

يمكننا أن نتفاءل بأن الربيع العربي وقف في سوريا ولن يمتد أكثر، وبأن قوى عربية جديدة ستحشد جهودها قبل فوات الأوان وتتقدم الصفوف وتقود قطار العرب لمواجهة كافة الأخطار الداخلية والخارجية وأن ذلك ممكن وليس أضغاث أحلام، وهو في متناول اليد، وهناك مرشحون لمثل هذا الدور أبرزهم السعودية.

بإمكانك لو أردت أن تتخيل بأن الدول العربية الغنية بالأرصدة النفطية تعلمت الدرس جيدا، وقد سحبت ملياراتها الدفينة من بنوك الغرباء، ودفعت بها لتنمية الصحاري، وإقامة المجمعات الصناعية، وربط دول المنطقة بوسائل المواصلات المختلفة. وأنها أعادت النظر في كل شيء واستقامت، وباتت الرعية تنام مطمئنة على حاضرها ومستقبلها، فلا مظالم ولا حروب والجميع سواسية أمام القانون، ولا يموت الناس إلا حتف أنوفهم.

يمكنك إذا كنت طوباويا أن تشيح بوجهك عما حولك، وأن تنسج ما يحلو لك من أحلام وردية زاهية، فترى مثلا داعش وقد تبخر وتاب أفراده ورجعوا إلى الطريق المستقيم، ولم يعد يشهر سيوفه وخناجره لإجبار الملايين على الاستتابة والخضوع له. ويمكنك أن تتخيل العكس إذا كان ذلك يروق لك.

ويمكن لمن شاء أن يتخيل أن إيران انتقلت إلى الضفة الأخرى من الأرض وباتت يدها بعيدة عن أحشائنا وأطرافنا، أو أن “طيورا أبابيل” قد مسحتها من الوجود وأراحتنا من شرها، أو أن عقلاءنا قد أجمعوا أمرهم ووقفوا أمام الفرس ندا، وسابقوهم في نفس البازار الطويل، فتفاوضوا معهم سنينا، واستعادوا طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، وباتت عمائم جيراننا وأخوتنا في الدين تميل لا ارتعاشا من الأسطول الأمريكي الخامس بل من قوتنا الذاتية الاقتصادية والعسكرية والعلمية الجبارة.

وبالمقابل، يمكن لأولئك الذين لا يليق بهم هذا النوع من أحلام اليقظة أن يرصدوا واقع الأمر وأن يرسموا صورة حالكة يحاول الكثيرون أن يتجاهلوها بلي أعناق الحقائق والنوم في العسل!

يمكن للعقلاء والواقعيين أن يتماسكوا وهم يرون حجم الخراب الذي نحن فيه. خراب من كل نوع، فلا تنمية حقيقية ولا تراكم حضاري ولا تكيف مع العصر، بل استهلاك واتكال وتواكل وصراعات دامية عنيفة، ودول مهترئة تتسابق في تجميل نفسها من الخارج فيما جدرانها تتهاوى من الداخل.

إذا أردنا أن نعرف إلى أي درك وصلنا، يتعين أن نتسلح بعزيمة قوية، فإحدى الدول المنسوبة لمنطقتنا وهي الصومال، تعيش في فوضى عارمة واقتتال دائم منذ عام 1991، ولم يتحرك أحد لانتشالها من هذا المصير المأساوي. وهكذا، إذا كان بإمكان شعب الصومال أن يتكيف مع الحروب وغياب الدولة ربع قرن، وأن يدور العراق في حلقة مفرغة من الفوضى والعنف والتآكل 13 عاما، وأن تذوب ليبيا بسرعة الثلج في 5 سنين، وأن تستعر الحرب في سوريا 5 سنين من دون أي محاولة عربية للإطفاء، بل يمدها البعض بالزيت والحطب وينفخ في أوارها، فمن سيضمن أن تحدث معجزة وأن تختلف السنوات المقبلة عن السابقة؟ هل يمكن أن نكون غرباء عن العصر إلى هذه الدرجة؟ وأن يكون عجزنا مزمن حتى لا نتكيف ولا نستيقظ من غفوتنا الأبدية كي لا يكون مصيرنا الانقراض، كما حصل لشعب المايا؟

ما ننحدر إليه هذه المرة يختلف عما قاسيناه في القرون السابقة، نحن الآن أمام امتحان وجود أو فناء، حياة أو موت. لقد تغير مناخ الأرض، ونحن نفقد الآن أهم ميزاتنا وأقوى أسلحتنا، النفط. وما أن يحل النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين حتى تكون منشآتنا النفطية قد أصبحت أطلالا، فمن أين سنأكل؟ وبماذا سنعيل أجيالنا الجديدة ونحن بلا بدائل حقيقية غير الشعارات البراقة والأدعية الحارة؟

تقول أقرب الروايات المنطقية أن حضارة المايا انقرضت وتوقف نبضها بسبب الجفاف الطويل. تلك الحضارة المبدعة التي شيدت صروحا عظيمة، لا تزال دقتها وهيبتها لغزا محيرا، اندثرت بعد 700 عام من الازدهار.

شعب المايا الذي امتلك معارف متقدمة في الفلك وفنون الزراعة والمعمار، كان محاربا عنيفا. ويقول العلماء إن شواهد عديدة تؤكد أن هذا الشعب عجز عن التكيف مع التغير المناخي، وأنه فقد وحدته السياسية وانقسم إلى جماعات انخرطت في صراع عنيف طويل أودى به، ومن تبقى على قيد الحياة رحل إلى مناطق الجوار وذاب في شعوب وأقوام أخرى. هذا المصير يمكن أن يتكرر لأي شعب أو أمة تعجز عن استشعار الخطر وتستبدل إرادة الحياة بالخدر.

وكالة نوفوستي الروسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى