كيف كشفت نتائج قمة “بغداد 2” التي انعقدت في الأردن عن تعزيز النفوذ الإيراني في العراق بدلا من تقليصه؟
كان الهدف الرئيس وغير المعلن لقمة “بغداد 2” التي انعقدت في العاصمة الأردنية عمان بحضور عدة رؤساء وزراء خارجية يمثلون 12 دولة، إبعاد العراق عن ايران، وتقليص النفوذ السياسي والعسكري للأخيرة في هذا البلد العربي، لكن النتائج جاءت عكسية ومختلفة كليا، حيث كان وزير الخارجية الإيراني، السيد حسين امير عبد اللهيان النجم الحقيقي للاجتماع بحكم اللقاءات التي اجراها على هامش المؤتمر وفي كواليسه مع نظرائه وزراء الخارجية المشاركين.
الاجتماع حضره العديد من القادة العرب مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وامير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الى جانب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ملك الدولة المضيفة، والسيد محمد عياش السوداني رئيس الوزراء العراقي وعدد من وزراء الخارجية العرب، ولكن هناك لقائين رئيسيين لفتا الانظار على هامشه، الاول بين السيد عبد اللهيان ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، والثاني بين الوزير الإيراني وجوزيف بوريل، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي الى جانب لقاءات مماثلة مع وزراء خارجية عرب آخرين، وخاصة في دول الخليج.
فهذه اللقاءات لا تعكس جهودا لتطويق النفوذ الإيراني في العراق، وانما جاءت دون تخطيط مسبق، تباركه، وتؤسس لحوارات قادمة بين الخصوم، تفتح آفاق التعاون مع الدولة الإيرانية خاصة بين المملكة العربية السعودية وايران.
النفوذ الإيراني قوي في العراق، ليس بحكم الجوار، وانما لضعف نفوذ الآخرين، والعرب منهم على وجه التحديد، والتدخلات الامريكية الاستفزازية، ومن المفارقة ان الذين يطالبون بعقد هذا المؤتمر لتقليص النفوذ الإيراني يغيب عن ذهنهم امرا مهم للغاية، وهو ان السيد السوداني رئيس وزراء العراق الذي كان حاضرا، يمثل التكتل الموالي لايران في العراق، وفصائل الحشد الشعبي على وجه الخصوص، واستطاعت حكومته تحقيق الكثير من الاستقرار حتى الآن على الأقل.
ترؤس ماكرون للمؤتمر، ومشاركته الفاعلة فيه، يؤشر على فشل العقوبات الامريكية والاوروبية والحصار على طهران، والاعتراف بها كقوة إقليمية عظمى يجب مهادنتها، وإعادة للعلاقات معها بشكل تدريجي، والاعتراف أيضا بدورها في المنطقة، خاصة بعد حالة الهدوء النسبي للاحتجاجات، وفشلها في اسقاط النظام مثلما كان يأمل داعموها الغربيون وفي أمريكا تحديدا.
كان لافتا وجود جوزيف بوريل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي الذي التقى السيد عبد اللهيان وبحث معه كيفية استئناف المفاوضات للعودة الى الاتفاق النووي التي وصلت الى طريق مسدود في فيينا خاصة بعد استقبال ايران لوفد وكالة الطاقة الذرية ولائحة مطالبه بالإعلان عن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم الى أكثر من 60 بالمئة وكأن لسان حالها يقول “اذهبوا وبلطوا البحر”.
لا نعرف كيف ستتطور العلاقات السعودية الإيرانية بعد هذا اللقاء بين وزيري خارجية البلدين، الذي وصفه السيد عبد اللهيان في تغريدة له على التويتر بأنه كان وديا، خاصة ان هذا التوصيف جاء بعد اتهام ايران لعدة دول بينها السعودية بدعم الاحتجاجات الأخيرة، فهل تم الاتفاق على استئناف جولات الحوار التي انطلقت قبل عامين في بغداد بين البلدين؟
النقطة الأخرى اللافتة هي في تواجد السيد عبد اللهيان في العاصمة الأردنية، التي اتهمت حكومتها ايران بدعم اعمال التهريب للمخدرات والسلاح عبر الأراضي الأردنية، ودعم ايران غير المباشر للاحتجاجات في الأردن، وكان لافتا ان السيد عبد اللهيان لم يشر الى مباحثات رسمية مع نظيره الأردني، كما انه لم يكشف عن أي لقاءات مع الوفد المصري المشارك في المؤتمر، رغم وجود معلومات مؤكدة عن زيارات سرية متبادلة لعاصمتي البلدين.
اعتراف ايران بأنها باعت مسيرات متطورة الى روسيا نجحت في تغيير قواعد الاشتباك لمصلحة موسكو في الحرب الأوكرانية، وحاجة أوروبا للغاز والنفط الإيرانيين في ظل ازمة الطاقة العالمية، وتربُع حلفاء ايران على قمة السلطة ومفاصلها في العراق، كلها عوامل أدت الى حدوث تغيير في نظرة الدول المشاركة في قمة بغداد وغيرها تجاه ايران والعراق معا، وربما للتوجه لمراجعة لمراجعة علاقاتها مع ايران.. والله اعلم.