كيف ولّى زمن الطيران الإسرائيلي؟
التصدّي لطائرة إسرائيلية فوق الأراضي السورية، يشير إلى أن محور المقاومة يتخذ قراراً حاسماً بالتصدي لإسرائيل أمام محاولات عدوانها. لكن إسقاط الطائرة المعتدية يدل على أن منظومة الدفاعات الجوية والصاروخية تبلغ جهوزية القدرة على الصدّ والردع. ولعل هذا الإنذار الذي يصيب إسرائيل، يمسّ حلفاءها ابتداء من الولايات المتحدة التي تتوعد برائحة الحرب في المنطقة.
لعلّ الإنذار الذي أطلقه الرئيس السوري بشار الأسد في التصدي لعدوان جوي إسرائيلي قبل هنيهنة من إسقاط الطائرة، يتضمّن في طيّاته نبأ اتخاذ محور المقاومة القرار الحاسم بالتصدّي للعدوان. لكنه يتضمّن كذلك تصريحاً بأن الدفاعات الجوّية الصاروخية تبلغ جهوزيتها في قدرتها على تنفيذ هذا القرار ووضعه موضع التنفيذ.
ولعل العدوان الإسرائيلي الذي أسقطت الدفاعات الجوية طائرته بصاروخ متطور، هو في معرض اختبار لجدّية الإنذار السوري، ولا سيما أن السيد حسن نصرالله أوضح في سياق تناوله لقواعد الاشتباك الجديدة إمساك محور المقاومة بزمام المبادرة في صدّ عدوان الطائرات الإسرائيلية.
في هذا الصدد تخلص صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إلى أن الرئيس الأسد انتقل من مرحلة التهديد إلى مرحلة تنفيذ التهديد، وهو على ما تقول الصحيفة تعبير عن الثقة في سوريا بعد أن بسطت قواتها المسلّحة سيطرتها على 80% من أراضي سوريا.
وقد يكون الباعث عن الثقة والانتقال إلى مرحلة التنفيذ أبعد من سوريا بمفردها. فقد انتهت الفترة الطويلة التي كانت إسرائيل والدول الداعمة لها، تأخذ كل بلد في المنطقة بمفرده كأنه جزيرة، بينما تخطط لتقويض المنطقة سبيلاً لتفتيت البلد نفسه.
في القضاء على مخاطر “داعش” في كل بلد من بلدان المنطقة، انتهج محور المقاومة منهج إزالة المخاطر أبعد من الحدود الذي عبّر عنه السيد نصرالله بالقول “حيث يجب أن نكون سنكون”. وهذا ما أدّى إلى القضاء على “داعش” الذي استهدف تحطيم حضارة المنطقة وذبح أهلها. وفي سياق هذا المنهج لإزالة مخاطر إسرائيل التي تهدّد الوجود في المنطقة، ينتهج محور المقاومة التصدّي المشترك للعدوان الإسرائيلي الذي يستهدف الدول والشعوب والثروات والحضارة والتاريخ والبقاء..
المفارقة أن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي يرى التصدي للطائرات الإسرائيلية “اعتداءً إيرانياً على السيادة الإسرائيلية” ويوجّه تحذيره لإيران أملاً بمحاولة استفراد سوريا بمعزل عن المحور. وهو حلم أصبح وراء سوريا وأحداث الإقليم. وقد يكون ذلك تعبير عن بداية انهيار السياسة الخارجية الإسرائيلية، كما خصّت نتانياهو عضوة الكنيسيت “آليات تحمياس”. وقد تكون بوادر هذا الانهيار هي ما دعت إسرائيل بمعظم محلليها وسياسييها ومعلّقيها إلى التخفيف من وقع إسقاط الطائرة واندلاع الحرب. فمن جرّاء خشية إسرائيل في اندلاع الحرب، قد يكون خبر اتصالها بروسيا لحثّها على طمأنة حزب الله ليس مجافياً للحقيقة.
التصدّي لعدوان إسرائيل الجوّي وإسقاط طائراته بالدفاعات الصاروخية، هو تطوّر قد لايكون لمرّة واحدة أو لمناسبات متفرّقة. فهو تعبير عن متغيرات أساسية في قواعد الاشتباك لمصلحة محور المقاومة. فالعدوان الذي اعتمدت عليه إسرائيل وحلفاؤها في الحرب بالوكالة قد شارف على هزيمته بحسب بعض التعليقات الإسرائيلية في أسباب الثقة السورية. ومن ضمن ما أشرف على نهايته هو حسم إسرائيل والولايات المتحدة التفكير في محاولة العدوان البرّي والتحريض لتعزيز الانقسامات الداخلية. فالثقة بهزيمة العدوان الإسرائيلي تتعاظم في سوريا وفي لبنان الذي يكسر حاجز التردد والخوف، كما عبّر المجلس الأعلى للدفاع في لبنان وكما أفصح بيان وزارة الخارجية اللبنانية في رفض العدوان على سوريا والترحيب بالتصدّي لطائرات العدوان الإسرائيلي.
تطوّر القدرات الصاروخية في الدفاعات الجوّية السورية وفي قدرات المقاومة، تفتح صفحة غير مسبوقة في تحوّل قواعد الردع لمصلحة محور المقاومة وتضع حدّاً لزمن الطيران الإسرائيلي الذي كان يعتقد أنه يقلب المعادلات بنزهة جوّية. وما يصيب إسرائيل في تغيير قواعد الردع يمسّ حلفاء إسرائيل في الإقليم إلى ما وراء البحار.
الميادين