كيف يرى السوريون الحرب في وطنهم؟

في التاسع والعشرين من أيار وتحت عنوان “العيش في مركز الأحداث” ظهر فيديو يتحدث عن كيف يرى معظم السوريين الحرب، وهو يشير إلى المهاجمين من الجيش السوري الحر ويشير كذلك (ويظهر ضحايا) القذائف التي يطلقها الجيش الحر غربا من نطاق مدينة حلب الواقعة تحت سيطرة الجيش الحر إلى حي الميدان الذي تسيطر عليه الحكومة السورية.

الجيش السوري الحر مجموعة مقاتلين اختارتهم الولايات المتحدة الأميركية، ويصفهم باراك أوباما “بالمعارضة المعتدلة” و “المتمردين المعتدلين”، ولكنهم الأشخاص الذين تدعمهم حكومة الولايات المتحدة علنا، لا سرا كما هو حال فروع القاعدة في سورية وبعض المجموعات الأخرى. وتحاول كل هذه المجموعات إسقاط الحكومة السورية، ورغم أنها غالبا ما تتعاون سويا، مثل فرع القاعدة في سورية (النصره) والدولة الإسلامية في سوريه والعراق(داعش)، إلا أنها تقوم بين الفينة والأخرى بمهاجمة بعضها البعض في محاولة لتوسيع أراضيها وإحراز النصر في السيطرة على كل سوريه، أو أكبر قدر ممكن من سوريه، في التسوية النهائية. المسلحين يقصفون حي الشيخ مقصود بقذائف تحتوي على غاز خانق.

وفعليا كل الأفراد في تلك المجموعات جهاديين، ولكنهم مدعومين من دول أجنبية مختلفة، وحدث أن مجموعة أميركا المفضلة هي الجيش السوري الحر، المجموعة التي تطلق هذه القذائف.

في إحدى لقطات الفيلم يظهر علم “فصيل السلطان مراد” ومباشرة يظهر علم النصره، ما يعني أن المجموعتين تعملان معا الآن بسبب هدفهما المشترك المتمثل في هزيمة الحكومة السورية في حي الميدان، وهو كل ما يقومون به هنا، على الأقل في الوقت الحالي.

مجموعة السلطان مراد مدعومة من قبل تركيا (التي أضحت تحت حكم أردوغان دولة سنية أصوليه مثل مملكات الخليج ولكن بدون نفط)، والقاعدة مدعومة بشكل رئيسي من السعوديين حلفاء الولايات المتحدة ضد الأسد.

كل مجموعة من هذه المجموعات ممولة من قبل مصالح مالية مختلفة، ولكن كل هذه المصالح تتحد في الرغبة بإسقاط الحكومة غير الطائفية التي تحكم سوريه، والتي تحاول السي آي ايه الأميركية إسقاطها منذ عام 1949 لكي تحل مكانها حكومة أصولية سنية (تحابي حلفاءنا السعوديين السنة الأصوليين). و رغم أن الغالبية في سورية كانوا دائما يدعمون سورية غير الطائفية، فإن فصائل مختلفة من الإسلام السنة في دول أجنبية سنية أصولية قاموا بتزويد السلاح و المقاتلين للجهاديين لإسقاط الأسد، كما قاموا بتمويل بروبوغندا من أجل تطويع جهاديين من كل أنحاء العالم للقتال في سورية و احتمال أن يغدوا شهداء مقدسين في هذه الحرب المقدسة أو الجهاد ضد الحكومة السورية غير الطائفية الملحدة ، و التي يقودها علاوة على ذلك الشيعي بشار الأسد ، فكل الشيعة يجب أن يقتلوا وفقا لتعاليم هؤلاء السنة الأصوليين ( و التي نشأت و ترعرعت في السعودية).

الولايات المتحدة حليفة مع آل سعود الذين يملكون السعودية، ومع أصدقائهم آل ثاني المالكين لقطر، وكذلك مع أصدقائهم آل صباح مالكي الكويت، ومع العائلات الملكية الست المالكة للإمارات العربية المتحدة، وكل تلك العائلات الملكية السنية الأصولية تسعى لبيع نفطها وغازها، وأنابيب النفط والغاز، في أوروبا أكبر سوق عالمي للطاقة. من المفترض أن تنشأ هذه الأنابيب عبر سوريه، وهذا هو السبب وراء سعي الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين للسيطرة على سوريه، أو على الأقل إخضاع جزء كاف من سوريه اليوم بحيث يتمكنوا من إنشاء هذه الخطوط لأوروبا.

وبينما تهدف الولايات المتحدة بشكل رئيسي إلى خنق روسيا، المزود الأكبر حاليا للغاز والنفط في السوق الأوروبية، فإن هدف العائلات الخليجية المالكة هو توسيع أسواقها، والاستيلاء على حصة أكبر من مبيعات الطاقة الأوربية. وخطوط النفط والغاز أرخص وبذلك هي منافس كبير للغاز والنفط المشحونين، إذن هي “حرب خطوط أنابيب” لتوسيع الأسواق.

إذن الحرب السورية من أجل أن تتمكن أميركا من هزيمة روسيا، ولكي تقوم الممالك العربية بتزويد حصة أكبر من واردات الطاقة الأوربية، ولكي تحصل تركيا على حصة من مبيعات النفط المسروق من قبل الجهاديين، نفط من سورية والعراق، ولكي تعمل ضمن الناتو كوكيل عن العائلات المالكة العربية، جسر بين الناتو ومجلس التعاون الخليجي، وهذا الجسر ثمين ومربح.

وملايين اللاجئين جراء هذه الحرب، والذين هرب الكثيرون منهم إلى أوروبا، هم بشكل أساسي نتاج عملية تنظيف الأرض في سورية للتخلص من الأشخاص الداعمين للحكومة السورية الحالية الحليفة مع روسيا عوضا عن التحالف مع الولايات المتحدة وحلفائها. إذن تلك القذائف ترمي إلى ترهيب المزيد من السوريين ودفعهم للهرب وبذلك يمكن تنظيف أراض كافية من السكان من أجل إنشاء خطوط النفط.

والسوريون يعلمون ذلك، وبناء عليه فإن المجموعات الجهادية المتنوعة محتقرة من قبل نسبة تتراوح بين ثلثي الشعب السوري ونسبة ثمانين بالمائة منه، بينما قام خمسة وخمسون بالمائة على الأقل بانتخاب بشار الأسد كقائد للدولة، في انتخابات حرة وعادلة، وأوباما يعلم ولهذا عارض بقوة الديمقراطية في سوريه، وحتى بان كيمون شجب (بهدوء كبير) موقف أوباما الرافض للديمقراطية في سوريه. وعلاوة على ذلك، وبنسبة ساحقة (تصل إلى 82% وما فوق) يعتبر الشعب السوري الولايات المتحدة السبب الرئيسي للمعاناة التي يواجهها.

بكلمة أخرى، ترويع السكان أمر جيد وليس سيء من وجهة نظر الولايات المتحدة وحلفائها، والكثير من السوريين يعلمون هذا. ولكن القليل من المقاتلين ضد الأسد الكارهين لداعش والممجدين من قبل حكومة الولايات المتحدة لا يعرفون بالضرورة هذا الأمر أو لا يفهمونه. القليل من المقاتلين ضد الأسد، والذين لأسباب مختلفة (ربما المنافسة ضد داعش أو أنهم بشكل حقيقي يكرهون داعش) حاولوا مساعدة السي آي ايه الأميركية ضد داعش وذهلوا من عدم اكتراث الولايات المتحدة للأمر ولم يفهموا موقفها.

من أجل تنظيف الأرض يغدو الإرهاب جيدا لا سيئا، و السي آي ايه يجب ألا تقف في الطريق و هي لن تفعل. وهذا أحد الأسباب وراء إصابة مقاتلي الجيش السوري الحر (الذي أخذوا خطابات الحكومة الأميركية المعادية لداعش على محمل الجد) بخيبة الأمل وبالتالي التعاون مع النصرة ومجموعات مشابهة أقل تطرفا بشكل بسيط من داعش، ولكن على الأقل داعش لم تكذب عليهم كما فعلت حكومة الولايات المتحدة.

وبما أن الحكومات الأوربية حليفة للولايات المتحدة، فإن تلك الحكومات انقسمت حول ما يجب القيام به حيال اللاجئين الذين أسفرت عنهم عملية الولايات المتحدة وحلفائها. وعلى الأقل حتى الآن، يكره الأوربيون اللاجئين أكثر مما يفعلون حيال الولايات المتحدة، ولهذا فإن المشكلة مجرد إزعاج سياسي للقادة الأوربيين، ولم تصل لحد أن تكون سببا لتحطم التحالف الغربي (تحالف الدول الأوربية مع الحكومة الأميركية) والذي يبدو أنه لا يزال قويا، ولا يزال مدعوما بقوة من الأوربيين بما فيهم أولئك الكارهين للاجئين الذين هم نتيجة لذلك التحالف الذي يدعمونه.

ورغم أن عملية تنظيف الأرض هذه خلقت إزعاجا في أوروبا إلا أنها مسألة حياة أو موت في سوريه. و بالنسبة للأرستقراطية العربية تنفذ العملية من أجل مشروع اقتصادي (ولا يتعلق الأمر بإيديولوجية، باستثناء السنة مقابل الشيعة) ، و بالنسبة للأرستقراطية الأميركية تهدف للسلطة ، هزيمة روسيا عن طريق التخلص من حلفائها و محاصرتها ، ثم الذهاب للقتل إلا إذا أذعنت الحكومة الروسية و رفعت الراية البيضاء، و في هذه الحالة سيستولي الغرب على نفط و غاز روسيا بشكل سلمي…

ربما يستمر التحالف الغربي عما هو عليه، ولكن ربما لا يستمر. وبالنسبة للملايين من السوريين، وسط الجحيم الذي خلقته واشنطن و حلفاؤها، يعول الكثير على استمرار هذا التحالف أو عدم استمراره. فمن غير التحالف الغربي ، سيغادر المقاتلون الأجانب الذين يدمرون بلدهم، و هؤلاء المجاهدون يعتمدون بشكل أساسي على دعم باراك أوباما و ملك السعودية و طيب أردوغان و أنجيلا ميركل و قادة آخرون في التحالف الغربي.و أي من هؤلاء القادة لا يمكنه الاستمرار بهذا الغزو لسوريه دون استمرار دعم رفاقهم الغربيين. تدمير سورية جهد فريق ، و لكن ربما انحل هذا الفريق قبل إحراز النصر اللازم من أجل نجاح حقيقي، فأي طرف سيتخلى عن هذه الحرب أولا؟

الشيء المؤكد هو أن ما يراه السوريون من الحرب لن يحببهم بالغرب ، و أيضا لن يحببهم بتركيا و السعودية و قطر و الولايات المتحدة، هل سيحببهم بالإتحاد الأوروبي؟ بالتأكيد لا إذا حولهم الاتحاد الأوروبي إلى لاجئين. و لكن إذا انفصل الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة، ربما حينها، فقط ربما، قد تنشأ علاقات طيبة بين أوروبا و العلمانيين العرب الذين طالما شكلوا غالبية السوريين. المشكلة بالنسبة لهم تتمثل في حكومة الولايات المتحدة و العائلات العربية المالكة الأصولية السنية . و السؤال إذن: هل ستستمر أوروبا بالتحالف معهم؟ أو إذا لم تفعل كم يحتاج التحالف الغربي من وقت حتى يتحطم؟

موقع Strategic Culture Foundation الالكتروني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى