” لأنك سوداء…أنت جميله “
” يجب ان نقيم تمثالا واحدا ، فقط ، لذلك العاهل الذي أراد توحيد بلاده – هيغل”
ليس بسبب الخلود ، وحده ، ننظر إلى التماثيل برهبة واحترام، وإنما ،طبعا، لجمالها، وربما للجمال المشع من المعاني وهي جالسة على زوايا التفاصيل في التمثال.
فينوس دون يدين؟… لا نسأل، وإنما نتخيل أنها استنفذت وظيفة اليدين العضوية في العناق وتحريك شهوة العالم.
كل تماثيل العالم لها هدف جمالي، سواء كانت صخرة أو شجرة . الفنان وحده يعرف ما الذي ينطوي عليه قلب الجمادات، وما الذي سوف يفعله بهذا الجلال الصامت للمادة الخام، حتى تحين تلك اللحظة التي ينطق فيها الحجر، قائلاً للفنان : في بطني هذه الفكرة، وفي جسدي هذه اللغه، وفي روحي ما سوف يستجيب لإزميل قاس ، أو لمسة يد حنون.
“بجماليون” النحات اليوناني، نحت إمرأته،التي رآها في قلب الرخام الاصم، في مكان ما من هذا العراء الكوني. ولأنه آمن بها، بوجودها من عدم، ظل ينحت ويجمّل منحوتته ، وكلما صارت المرأة أجمل…كان يبكي متحسراً متعثراً بأمنيته: لو تسكنها… تسكن الرخام
روحها .
أخيراً…ثمة من نصحه بالذهاب الى الهة الحب والجمال “فينوس” وهي تحتفل بميلادها فوق زبد البحر، يبتهل ويطلب الحياة لتمثاله ـ لإمرأته. فينوس أشفقت عليه، وأحبت المنحوته …
فبثت فيها الروح …
بجماليون يتزوج امرأته الفاتنه، وينجب منها ولداً أسماه “بافوس” ، ويبنى له مدينة على شاطئ البحر في جزيرة قبرص، وما تزال حتى الآن مقصداً للسياح في العالم.
أما السياسيون، والعقائديون، وأصحاب فكرة التخليد الساذجة، فانهم لايبحثون عن الخلود النبيل… خلود ما تعمل أنت ، لا تخليد ما يعمله الآخرون لك.
إنهم يصرفون الملايين على التماثيل التي ، بعد رحيلهم، تصبح طعاماً للمعاول، وتذهب من حيث أتت:الى مقبرة الحجارة الصماء .
في السنغال ، قبل سنوات ، ثارت أزمة تمثال اسمه “نهضة أفريقيا” . التمثال منحوته ساذجه لرجل وإمرأة وطفل. بكلفة 30 مليون دولار، وقد أُقيم في أفقر أحياء العاصمة “داكار”. وبدلاً من أن يكون التمثال مناسباً لاحتفالات البلد بالعيد الخمسين للاستقلال… أصبح علامة على الفساد، حيث يقول أحد الصحفيين “إنه تمثال الحرية المهداة إلى عائلة رئيس البلاد- عبد الله واد” . ثم تزداد الانتقادات حين تكتشف النساء الجميلات الفقيرات مصدراً للرزق ، بالارتماء في أحضان العمال والمهندسين الكوريين، الذين ينفذون المشروع، لقاء يورو أو اثنين.
ثم تتفاقم الفضيحة حين علم السنغاليون أن رئيسهم طالب بعائدات نسبتها 35 % من السياحة في منطقة التمثال السياحيه ، وذلك بذريعة أنه هو “صاحب الفكرة”. وعندما احتدم النقاش والاعتراض على مقدار حصة الرئيس من العائدات، قال بأنه سيحوّل الأموال إلى جمعية خيرية…ليتبين ان الجمعية يرئسها ابنه … “الاستاذ كريم”
والأكثر طرافة أن الدين يتدخل.
فقد أرسل الرئيس رسالة إلى الأزهر يطلب الفتوى في إقامة التمثال: هل هو حلال أم حرام؟
هنا… يجب ان نتذكر : الشاعرالرئيس الاول بعد الاستقلال “ليوبولد سنغور” ومعه نتذكر هذه القطعة من قصيدته:
“… أسطح الأكواخ تلمع بلطف.
أية أسرار هذه التي تبوح بها للنجوم؟
نار الموقد في الداخل تنطفىء بين أحضان الروائح اللاذعة واللطيفة.
أيتها المرأة… أنيري قنديل الزيت،
القنديل الذي تحادث حوله الآباء ، كما الأجداد …
وكذلك الأطفال في أسرتهم…”
كان لقب ” الشاعر” هو التعريف الأول ، وليس الرئيس. هو الرئيس الاول للسنغال بعد الاستقلال(1960) وكذلك هو أول رئيس يستقيل من تلقاء نفسه.
ولكن الأهم، ونحن نتحدث عن بناء التماثيل بدل البيوت، أن سنغور كان يريد بناء المستقبل ، وكان يقول :
“أنا معلم اللغة. مهنتي أن أوقظ شعبي على المستقبل الباهر.”
ولأنه معلم اللغة… هو مؤسس الجملة البسيطة ، التي ترتّب على دلالاتها الكثير لاحقاً. حيث تغيّرت ، بفضلها ، المرايا الزنجية ، ولاحقا…المرايا البيضاء أيضاً:
“لأنك سوداء… أنت جميله “.