على رغم إعلان جيش الاحتلال نقل الثقل العسكري من قطاع غزة إلى الجبهة الشمالية مع لبنان، فإن وتيرة الغارات الجوية والقصف المدفعي لم تتراجع في القطاع، في وقت تتواصل فيه العملية البرية في مدينة رفح (جنوباً) تحديداً.
أما العنوان الأبرز لهذه المرحلة، فهو المجازر الجوية الجماعية التي أضحت سلوكاً يومياً، لا يستثني المنازل المأهولة بالعشرات من المدنيين والنازحين، ولا مراكز الإيواء ولا السيارات المدنية في وسط الأسواق الشعبية، ولا حتى خيام نازحين صارت لها حصتها اليومية من القصف الهمجي.
فبالتزامن مع الأحداث في لبنان، والتي بدأت بتنفيذ عملية «البايجر» في مناطق لبنانية واسعة، ثم عملية اللاسلكي والغارة الجوية على الضاحية الجنوبية، قصف العدو، أمس، عدة منازل في رفح قضى فيها 10 شهداء. كما استهدف حافلة مدنية للنقل العمومي في غرب مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد خمسة مواطنين على الأقل، وكذلك قصف خيمة للنازحين في المنطقة نفسها.
وتسجل وزارة الصحة، في كل يوم، استشهاد 35 مدنياً على الأقل، معظمهم من النساء والأطفال، فيما لا يتوقّف القصف المدفعي في مختلف مناطق القطاع. وكانت طائرات الاحتلال قد قصفت، مساء أول من أمس، خمسة منازل مأهولة قضى فيها نحو 22 شهيداً في مدينة غزة، وارتكب مجزرة بشعة في مدرسة ابن الهيثم التي تؤوي نازحين، راح ضحيتها أكثر من 10 شهداء، والعشرات من المصابين في المدينة نفسها.
ومن وجهة نظر عسكرية، فإن الاحتلال يسعى إلى استدامة إشغال الميدان في غزة، لأن أي تراجع في وتيرة العمل العسكري سيُعطي فرصة للأذرع العسكرية لفصائل المقاومة ولمنظومة القيادة والسيطرة لإعادة ترميم نفسها، وذلك يعني رفع وتيرة الاستنزاف الميداني لقوات العدو، وتمكّن المقاومة من تنفيذ عمليات مشاغلة في وقت قد لا يكون فيه سلاح الجو قادراً على السيطرة على كل الجبهات المفتوحة، على اعتبار أن التطورات الإقليمية الحالية تضع سيناريو الحرب الشاملة قاب قوسين أو أدنى من التحقّق.
وعليه، فإن الميدان الأساسي الذي منه بدأت الحرب، وفيه ستنتهي، لا بد من أن تتم فيه المحافظة على كل ما تحقّق من «مكتسبات» خلال قرابة عام كامل من الحرب.
في المقابل، تثبت المقاومة، ولا سيما في مدينة رفح، أنها قادرة في كل مرة على إعادة ترميم وبناء صفوفها. فقد نفّذت كل من «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، أمس، عدداً من المهمات القتالية، حيث أعلنت الأولى تمكّنها من تفجير جرافة عسكرية بقذيفة من نوع «الياسين 105» بالقرب من مفترق جورج شرق رفح، كما استهدفت قوة إسرائيلية تحصّنت داخل أحد المنازل في حيّ التنور في المدينة، بقذيفة «تي بي جي» مضادة للتحصينات وأخرى مضادة للأفراد، وأوقعت أفرادها بين قتيل وجريح.
وبثّت الكتائب مشاهد أظهرت مقاوميها وهم يزرعون عبوات ناسفة ويفجّرونها في دبابة «ميركافا». بدورها، أعلنت «سرايا القدس» تدمير دبابة «ميركافا» بعبوة برميلية شديدة الانفجار، فيما أشارت مجموعات «عمر القاسم» إلى تفجيرها عبوة ناسفة بناقلة جند من نوع «نمر» في محيط دوار العودة في رفح.
كل تلك العمليات، التي رصدت في يوم واحد، تثبت أن سلوك الإشغال الإسرائيلي عبر الغارات الجوية، في ظل الهروب من تنفيذ عمليات ميدانية حقيقية، لن ينجح في وقف الاستنزاف.
وعلى الصعيد الإنساني، لا يزال جيش الاحتلال يحرم مناطق شمال القطاع من دخول البضائع التجارية، ويقصر المواد التموينية التي تدخل على كميات محدودة من المعلّبات والمساعدات التي توزّعها المؤسّسات المحلية والدولية. ويترافق ذلك مع محاولات مستدامة لخلق الفوضى من خلال استهداف أي محاولات أمنية حكومية لفرض النظام وتأمين دخول المساعدات.
صحيفة الأخبار اللبنانية