لا بدّ من مبادرة (سمير العيطة)

 

سمير العيطة

بعد ثلاث سنوات من انطلاق حركة شعبيّة كبيرة في سوريا نادت بالحريّة والكرامة، ومع ما آلت إليه أمور هذا البلد وأهله اليوم، لا فائدة الآن من السجال إذا كان على هذه الحركة أن تبقى سلميّة مهما كان القمع أو التحريض الخارجي، أم لا.
ما يفيد اليوم هو التفكّر في ما يمكن أن يخرج سوريا من محنتها. فهناك سلطة قائمة عملت منذ البداية على معادلة طرفاها: بقاؤها أو تدمير البلد. لكنّها سلطة لها قراءة سياسيّة داخلياً وخارجياً للواقع، من ضمن منطقها، أدقّ من منطق أولئك الذين ادّعوا دعم «الثورة» في سوريا.
وهناك معارضة سياسيّة قامت منذ البداية على أوهام أنّها يمكن أن تدير حراكاً كان في الأساس شعبيّاً وشبابيّاً، لا منّة لها عليه، من دون قراءة منطق الخصم. لقد اعتقدت أنّه يمكنها أن تعتمد على شرعنة دول خارجيّة لهياكلها من دون أن تبحث كيف تبني مؤسسات تخلق ترابطاً عضويّاً بينها وبين الحراك الشعبي، ريادة وتنظيماً، من أجل مقاومة مخطّطات الخصم، لا في زمن النضال السلمي وحسب، بل خاصّة حين انزلقت الأمور إلى الصراع المسلّح.
السلطة القائمة ماضية في صلفها. فها هي تعمل في مناخ الفوضى التي أخذت إليه لتنظيم انتخابات رئاسيّة صوريّة، نتائجها معروفة مسبقاً. وها هي المعارضة السياسيّة غارقة في خلافاتها، تبحث عن قرار مجلس أمن دوليّ لن يأتِ، أو عن تدفّق للسلاح لا يفيد طالما أن لا تنظيم للسلاح ولا تمييز حاسما بين التطرّف والمقاومة. وها هو الحراك الشبابي الشعبي منهمك في الإغاثة، يبتعد أكثر وأكثر عن السياسة.
فكيف الخروج من الاستعصاء القائم؟
فرصة التفاوض السياسيّ على حلّ من خلال «جنيف 2» تتبدّد رويداً رويداً، لأنّ السبيل لمواجهة صلف السلطة هو توافق معارضيها على موقفٍ واحد، ونبذ خلافاتهم، والتخلّي عن منطق أنّ المهمّ هو الحصول على الشرعيّة الدوليّة، لا كمعارضة قائمة على برنامج مشترك، وإنّما كدولة ستحلّ مكان الدولة القائمة. وهذا لا يبدو أنّه سيحصل قريباً.
فرصة الحسم العسكريّ أيضاً تبدو بعيدة المنال. ولا تسمح به حالياً التوازنات الدولية القائمة.
من الأجدى في ظلّ هذا الواقع التوجّه إلى شيء آخر يثبت أنّ زمام المبادرة بيد السوريين، لا غيرهم.
إنّ أيّ خروج من الاستعصاء القائم لا بدّ له أن يلبّي أوّلاً ما تطالب به أغلبيّة السوريين: أي وقف الاقتتال. لكنّنا نعرف بوضوح أنّ النظام القائم لن يتفاوض على ذلك إلاّ مقابل مكاسب سياسيّة. وهنا ربّما تكمن القوّة والريادة في إعلان عن وقفٍ شامل لإطلاق النار من طرف واحد بمبادرة من المعارضة المسلّحة، ولو لفترة وجيزة، بمناسبة الذكرى الثالثة لانطلاق الانتفاضة الشعبيّة. والطلب من الأمم المتحدة، وروسيا والولايات المتحدة سويّة، المساعدة على تثبيت وقف إطلاق النار.
نعم، وقف إطلاق نار من طرفٍ واحد، ليس استسلاماً، ولكن ضمن خطّة متفق عليها على جميع الجبهات كي تتمكّن الجهود الإغاثية من إيصال الطعام لجميع المناطق ويستطيع الناس المحاصرون التقاط أنفاسهم.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى